تفاءلت عدة أوساط سياسية باحتمالات إبرام صفقة رهائن وشيكة يتم بموجبها إطلاق عدد كبير من الرهائن الأميركيين ومزدوجي الجنسية، مقابل توفير الوقود لمستشفيات غزة وزيادة عدد شاحنات المساعدات الإنسانية وفتح معبر رفح أمام العالقين.
ووفقاً لموقع «أكسيوس» الأميركي، أشار مسؤولون إسرائيليون وأميركيون إلى احتمال إطلاق سراح 80 امرأة وطفلاً تحتجزهم «حماس»، مقابل إطلاق إسرائيل سراح نساء وأطفال فلسطينيين محتجزين في السجون الإسرائيلية.
وتأتي تلك الأنباء لتتوافق مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، لشبكة «إن بي سي نيوز»، التي قال فيها إن الصفقة مع «(حماس) قد تكون قريبة». كما تأتي في أعقاب جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ثم جولة مدير الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز التي التقى فيها مع نظرائه في الموساد الإسرائيلي ونظرائه من المسؤولين في الأردن ومصر وقطر.
وتنتظر الأوساط السياسية زيارة بريت ماكغورك كبير مستشاري الرئيس بايدن، إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية والأردن وقطر، التي تسعى إلى ثلاثة أهداف حاسمة، أولها تأمين إتمام صفقة إطلاق الرهائن، وثانيها تمهيد هدنة إنسانية أطول في غزة، وثالث الأهداف هو منع نشوب حرب إقليمية.
يعد بريت ماكغورك رجل بايدن القوي في القضايا الصعبة في منطقة الشرق الأوسط، وهو وجه معروف في الأوساط السياسية الأميركية، وشارك مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال الأسابيع الماضية، في الجهود لإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم «حماس». وكان موجوداً مع فريق الأمن القومي الأميركي، في كل مكالمة أجراها الرئيس بايدن مع المسؤولين الإسرائيليين والمصريين والقطريين.
مهارات وقدرات
انخرط ماكغورك في السياسة منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، وأيضاً خلال ثماني سنوات من عهد الرئيس باراك أوباما والرئيس دونالد ترمب. وتألق نجمه بشكل كبير في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، حيث تولى منصب منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي.
وعادة ما يختار كل رئيس أميركي مندوباً أو ممثلاً عنه يتولى نقاشات قضايا الشرق الأوسط التي تمهد لخطوات تعلنها الإدارة الأميركية وتسوية أي توترات أو خلافات تطرأ على العلاقات الأميركية مع دول المنطقة.
ويتعين أن تتوافر صفات ومهارات معينة في الشخصية التي تتولي مسؤولية هذا الملف الهام. وتتفاوت مدى وحدود سلطات المسؤول عن هذا المنصب، وفقاً لمهارات الشخص وصلاته وقدراته، ومدى تمكنه ونجاحه في تحقيق أهداف الإدارة الأميركية.
وسطاء سابقون
كان السياسي المخضرم دنيس روس من أبرز الأسماء التي لمعت لعقدين من الزمن في قيادة هذه المسؤولية، من خلال جولاته المكوكية إلى دول الشرق الأوسط، حاملاً رؤية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بين الأعوام 1993 و2000 كوسيط للسلام العربي الإسرائيلي، وفي عهد الرئيس جورج بوش، ومن بعده الرئيس باراك أوباما.
وقد برز اسم جاريد كوشنر في عهد الرئيس دونالد ترمب، وكان المهندس البارز في صياغة «اتفاقيات إبراهيم»، وفي وضع رؤية إدارة ترمب للسلام في المنطقة، التي أثمرت عن توقيع اتفاقيات سلام بين إسرائيل وأربع دول عربية في البيت الأبيض قبل عامين.
أما بريت ماكغورك فهو لم يكن دبلوماسياً أو خبيراً في منطقة الشرق الأوسط بثقافتها ولغاتها، وإنما اجتذبه جورج بوش الابن من عمله السابق محامياً وأكاديمياً في مجال القانون بعد كتابات وتنظيرات ورؤى نشرها في مجال كيفية قيادة الحرب على الإرهاب. ولم يكن في كتاباته واهتماماته ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتوسط في حل للصراع العربي الإسرائيلي، على خلاف من سبقوه ممن تولوا هذا المنصب.
بمجرد دخوله السلك الدبلوماسي والسياسي، تمكن ماكغورك من الترقي في سلم الوظائف، حيث عمل في بغداد عام 2004 في ظل عهد الرئيس جورج بوش، واكتسب ثقة في أوساط تلك الإدارة التي شكل العراق محوراً مهماً في السياسة الخارجية بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ودفعت به هذه الخبرة في الساحة العراقية للانضمام إلى مجلس الأمن القومي الأميركي وإدارة الشرق الأوسط.
وفي عهد الرئيس باراك أوباما توثقت علاقة ماكغورك بنائب الرئيس حينئذ، جو بايدن، وكان مسؤولاً في إدارة أوباما عن ملف العراق، وتم ترشيحه لتولي منصب السفير الأميركي في بغداد منذ 2012 إلى 2015. ثم تولى منصب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف العالمي لمواجهة تنظيم «داعش»، وهو التحالف الذي قادته الولايات المتحدة واكتسب الكثير من الأضواء في ذلك الوقت.
وفي هذا المنصب «الحساس» قام ماكغورك بعشرات الرحلات إلى دول المنطقة، وبصفة خاصة إلى سوريا والعراق والدول الخليجية، وكان مسؤولاً عن تنسيق الجهد المشترك ضد تنظيم «داعش» وتنسيق بعض العمليات الاستخباراتية.
وساند ماكغورك بقوة الرأي المؤيد لاستمرار الحفاظ على وجود عسكري أميركي في المنطقة، خاصة في سوريا والعراق، لمواجهة احتمالات عودة نفوذ «داعش» وأيضاً لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد. وساند أيضاً فكرة التحالف بين القوات الأميركية والقوات الكردية رغم غضب الجانب التركي من هذا التقارب.
وعلى خلاف العديد من المسؤولين الذين تركوا مناصبهم بعد فوز الرئيس دونالد ترمب في عام 2016، استمر ماكغورك في منصبه في إدارة ترمب وتولى تشجيع ودعم التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وظهر دور ماكغورك بشكل واضح في إدارة علاقات الإدارة الأميركية مع دول الشرق الأوسط في النقاشات والمداولات التي جرت للتحضير لزيارة الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية العام الماضي، وفي تقريب وجهات النظر وإعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين. وتعاون كل من جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي وبريت ماكغورك، وعاموس هوستاين – الذي نما نفوذه في الفترة الأخيرة كوسيط في المحادثات لترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان – في رسم خريطة الزيارة.