هل نجحت زيارة صالح لتركيا في تغيير موقفها «المصطف» مع «الوحدة»؟
طرحت زيارة رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إلى تركيا، نهاية الأسبوع الماضي، أسئلةً كثيرةً في ظل تعقد المشهد السياسي بين مجلسه وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة الموالي لتركيا.
ووفقاً لرؤية عدد كبير من السياسيين والمراقبين، فإن زيارة صالح «ليست سوى محاولة جديدة لاختراق موقف الأتراك، وتغيير قناعتهم السياسية الراهنة المصطفة مع حكومة (الوحدة)»، وهو ما يمهد في حال نجاح هذا المسعى لتشكيل حكومة جديدة توافقية يطالب بها البرلمان.
إلا أن تقييمات هؤلاء السياسيين تختلف بشأن نتائج هذه الزيارة، التي جاءت قبيل الاجتماع التحضيري لممثلي الأطراف الرئيسية الخمسة في البلاد، الذي دعا له المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي.
وعدَّ عضو مجلس النواب الليبي، خليفة الدغاري، أن «محاولة تليين مواقف الدول المتدخلة في الساحة الليبية تظل مطلوبة وضرورية، في ظل تعقد ملف الأزمة السياسية». ودعا إلى ضرورة الانتباه إلى أن نتائج أي زيارة أو لقاء رسمي «قد لا تتضح بشكل مباشر».
وقال الدغاري لـ«الشرق الأوسط» إنه «بالرغم من صعوبة تغيير الاصطفاف التركي إلي جانب الدبيبة، في ضوء الاتفاقيات المشتركة، التي عقدتها حكومة الأخير مع أنقرة في ملفات الطاقة والتنسيق الأمني والاقتصاد، والتي تضمنت فوائد كثيرة للأتراك، إلا أن الأمر بالنهاية ليس مستحيلاً».
ورأى أن «المصالح هي اللغة التي يعتمدها الجميع، ووجود منافسة غير سهلة للفوز بعقود استثمارية في عموم البلاد، خصوصاً بالشرق في التوقيت الحالي وفي المستقبل، قد يدفع أنقرة للتفكير في تغيير مواقفها، فالليبيون سيكونون ميالين للتعامل أكثر مع الدول، التي تسهم بحل الأزمة، وليس مع من تسعى لإطالتها للاستفادة من ورائها».
بالمقابل، ذهب عضو مجلس النواب، عمار الأبلق، إلى «عدم وجود مؤشرات على تحقيق زيارة صالح لهدفها الرئيسي، المتمثل في فك الارتباط ما بين الدببية وأنقرة، أو على الأقل تحييد دور الأخيرة بالساحة الليبية»، مرجعاً ذلك «لعدم امتلاك البرلمان ما يقدمه لأنقرة لتغيير مواقفها ونقض تحالفاتها الواسعة مع الدبيبة وأطراف أخرى مؤيدة له بالغرب الليبي».
وقال الأبلق لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان «يسعى في حال نجاح المبعوث باتيلي في جمع الأطراف الرئيسية الخمسة على طاولة الحوار، والاتفاق على استبدال حكومة الدبيبة، لأن يتم تحييد تركيا وتوقفها عن عرقلة هذا التوافق». ورأى أن هذا الأمر يتطلب «ضمان أنقرة لمصالحها، عبر رئيس وزراء جديد يحقق التهدئة في ليبيا، ويقدم أيضاً المميزات الجيوسياسية والاقتصادية نفسها التي حصلت عليها من حكومة الدبيبة».
كان باتيلي قد دعا كلاً من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وصالح، والدبيبة، وقائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، للمشاركة في اجتماع تفاوضي للتوصل إلى تسوية سياسية حول القضايا مثار الخلاف السياسي، المرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية.
ويشير عدد من المراقبين إلى أن توقيت زيارة صالح إلى أنقرة «لم يكن موفقاً»، كونه جاء بعد أيام قليلة من موافقة البرلمان التركي، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على تمديد بقاء القوات التركية في ليبيا لمدة عامين مقبلين.
وفي هذا السياق، عدَّ عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، أن زيارة صالح لتركيا لم «تحقق النتائج التي يتطلع لها رئيس البرلمان، خصوصاً تشكيل حكومة جديدة، كون هذا الأمر ليس قراراً تختص به تركيا أو أي دولة إقليمية أخرى، بل هو أمر مرهون برؤية البعثة الأممية لحل الأزمة السياسية».
وتوقع معزب لـ«الشرق الأوسط» أن الرد التركي قد يكون «جاء واضحاً على طلب صالح في هذه القضية، وهو تأييد مسار الحل الذي تقترحه البعثة الأممية»، مبرزاً أن «صالح ومجلسه لا يريدان حكومة جديدة تتولى إدارة الانتخابات كما يرددان، وإنما لتدشين مرحلة انتقالية جديدة قد تستمر قرابة عامين».
ويتمسك البرلمان الليبي بضرورة تشكيل حكومة جديدة لإدارة العملية الانتخابية، عاداً أن ولاية حكومة «الوحدة» الوطنية انتهت منذ قرابة العامين.
واستند معزب في طرحه هذا على وجود «معارضة لقانوني الانتخابات اللذين أقرهما البرلمان مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بشكل متعجل، كونهما يفسحان المجال لترشح حفتر للرئاسة، وذلك بغض النظر عن اعتراض الآخرين والبعثة على بعض ما تتضمنه بنودهما».
أما الناشط السياسي الليبي، أحمد التواتي، فيرى أن نجاح الزيارة من عدمه «مرهون بمدى التقارب في العلاقات المصرية – التركية في التوقيت الراهن». وأوضح التواتي لـ«الشرق الأوسط» أن التقارب بين القاهرة وأنقرة «سيؤدي لمزيد من الانفتاح التركي على الشرق الليبي، وأن يرسل الأخير تطمينات كافية لأنقرة بالمحافظة على مصالحها في ليبيا حتى إذا غادر الدبيبة موقعه».