تجميد المساعدات الغربية والسعي لبناء صناعة دفاعية محلية يضغطان على خيارات أوكرانيا


مع استمرار الحرب الأوكرانية الروسية، التي تقترب من دخول سنتها الثالثة الشهر المقبل، تضغط الإمدادات العسكرية الغربية المتناقصة لأوكرانيا على خيارات كييف السياسية والعسكرية، مقابل إصرار موسكو على مواصلة حربها، حتى تحقيق أهداف «عمليتها العسكرية».

وفي الولايات المتحدة، وفي ظل تعثر طلب الرئيس جو بايدن للحصول على المزيد من المساعدات لأوكرانيا في الكونغرس، باتت فرص مناورته لمقايضة طلبه بشروط الجمهوريين، أضيق، وسط تحذير البنتاغون من أن الأموال المتبقية لمساعدة أوكرانيا اقتربت من النفاد، ولم يبق سوى 4.5 مليار دولار منها.

وفي أوروبا، فشل التعهد بتقديم مليون قذيفة مدفعية في غضون 12 شهراً، حيث تم تسليم نحو 300 ألف فقط حتى الآن، في إشارة إلى الصعوبات التي تواجهها لزيادة إنتاجها العسكري، مقابل «نجاح» روسيا في تحويل اقتصادها إلى اقتصاد حرب. كما فشل الاتحاد الأوروبي بإقرار حزمة مساعداته العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا، بسبب معارضة المجر، التي يتحالف رئيس وزرائها فيكتور أوروبان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان يصافح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)

خيارات كييف تضيق

غير أن الهجمات الروسية على أوكرانيا استمرت، حيث تضرب الصواريخ والطائرات المسيرة التي حصلت موسكو على إمدادات منها، من كوريا الشمالية وإيران، بحسب اتهامات أميركية وغربية، مدناً أوكرانية عدة، ملحقة أضراراً بشرية ومادية في البنية التحتية. وبدت خيارات أوكرانيا تضيق هي الأخرى، في ظل تصاعد التكهنات عن محادثات لوضع أهداف سياسية وعسكرية «يمكن تحقيقها»، ومساعيها للتحرر من اعتمادها على الإمدادات الغربية، عبر تعزيز وتطوير صناعتها الدفاعية المحلية، والعمل في مشاريع مشتركة مع حكومات أجنبية لتصنيع المزيد من الذخيرة والأسلحة على أراضيها. ورغم ذلك، يدرك المسؤولون الأوكرانيون أن تحقيق هذا الهدف دونه صعوبات ويحتاج إلى وقت.

جندي أوكراني خلال تدريب عسكري بالقرب من مدينة كييف (رويترز)

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، إنه على الرغم من تمكن بلاده من إيقاف الجيش الروسي، لكنها في حاجة ماسة إلى الحلفاء الغربيين لإرسال المزيد من أنظمة الدفاع الجوي، لإسقاط وابل متزايد من الطائرات دون طيار والصواريخ الروسية القادمة. وحذّر زيلينسكي من أن «أي توقّف» لبلاده في الدفاع عن نفسها في مواجهة الغزو الروسي سيساعد موسكو على إعادة التسلّح و«سحقنا».

وحتى المساعدات التي وعدت بريطانيا بتقديمها لأوكرانيا، خلال زيارة رئيس وزرائها ريشي سوناك المفاجئة لكييف، الجمعة، لا تبدو كافية في سد حاجة البلاد الشرهة للذخائر والمعدات في حربها مع روسيا. وتعهد سوناك بزيادة التمويل العسكري بنحو 260 مليون دولار، ليصل إلى 3.25 مليار دولار، في تأكيد للالتزام تجاه كييف.

وجاءت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، خلال اجتماع مع رجال أعمال من الشرق الأقصى، عن قوة الاقتصاد الروسي، لتزيد من مخاوف الأوروبيين حول نياته، خصوصاً بعد توجيه اقتصاد بلاده للتحول إلى اقتصاد حرب، مشيرين أيضاً إلى الدور الذي لعبه «فشل سياسة العقوبات» في إجبار بوتين على تغيير خططه.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يقدم ميدالية الحرية لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الجمعة في كييف (إ.ب.أ)

وقال بوتين إن بلاده تفوقت على ألمانيا، وصارت الاقتصاد الأول في أوروبا والخامس عالمياً، موضحاً أن نمو الاقتصاد الروسي بحلول نهاية عام 2023 قد يكون أعلى من النسبة المتوقعة البالغة 3.5 في المائة. وأشار بوتين إلى أن «هذه نتيجة مذهلة» في ظل ظروف الضغوط الخارجية.

بوتين يواجه معضلة ثلاثية

ولكن تباهي الرئيس الروسي بهذه «النتيجة المتوقعة» لا يعكس حقيقة الوضع الفعلي للاقتصاد الروسي، بحسب تقرير في مجلة «فورين أفيرز». وقالت إنه بدلاً من الإشارة إلى صحة الاقتصاد، فإن هذه الأرقام تشير إلى «الإفراط في النشاط». وأضاف التقرير: «في الواقع، فإن المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الروسي بلغت حداً يجعل بوتين يواجه معضلة ثلاثية مستحيلة»: تمويل حربه المستمرة ضد أوكرانيا، والحفاظ على مستويات معيشة شعبه، وحماية استقرار الاقتصاد الكلي. ولتحقيق الهدفين الأول والثاني سيتطلب زيادة في الإنفاق، الأمر الذي سيغذي التضخم، وبالتالي يحول دون تحقيق الهدف الثالث.

وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من عائدات النفط والغاز المرتفعة، والإدارة المالية الماهرة من قبل السلطات الروسية، والتراخي في تطبيق القيود الغربية، التي لعبت دورها في النمو الاقتصادي في روسيا، ولكنها تخفي الاختلالات المتزايدة في هذا الاقتصاد. ومع عدم ذكر بوتين أن أكثر من ثلث نمو روسيا يرجع إلى الحرب، فقد أخفى المشهد الاقتصادي المشرق في روسيا في عام 2023 مقايضات خطيرة تمت في السعي لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل.

وحتى لو نجحت القيادة المالية في موسكو في تهدئة الاقتصاد بحلول نهاية عام 2024، فإن المشاكل الكبرى الناجمة عن الحرب لا مفر منها. وتشمل هذه العوامل الاستياء من نقص تمويل الصحة العامة، والنقص المتزايد في الأدوات والمعدات بسبب تشديد نظام العقوبات، والاضطرابات الكبيرة الناجمة عن الاستثمار الضخم في صناعة الدفاع، وهو ما سيؤدي إلى أن تدفع أجيال المستقبل ثمناً باهظاً للوضع الحالي، رغم أن هذا هو آخر ما يفكر فيه الكرملين في الوقت الحالي.

مصادرة الأصول الروسية

وصفت وزارة الخارجية الروسية، الجمعة، الخطة الأميركية لمصادرة ما يصل إلى 300 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة للمساعدة في إعادة بناء أوكرانيا، بأنها «قرصنة القرن الحادي والعشرين». وقالت إن موسكو سترد بشدة إذا حدث ذلك. واتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الولايات المتحدة بمحاولة خلق «غطاء قانوني» لسرقة الأصول السيادية الروسية، وهي خطوة حذرت موسكو مراراً من أنها تنتهك القانون الدولي وتقوض النظام المالي العالمي.

وقالت زاخاروفا في مؤتمر صحافي: «أصبحت سرقة ممتلكات الدولة والممتلكات الخاصة والعامة علامة مسجلة للأنجلوسكسونيين». وأضافت: «واشنطن (و) لندن تقومان بذلك منذ عقود. قبل ذلك كانت تسمى قرصنة، ولكن بعد ذلك تم إضفاء الشرعية عليها. الآن هي قرصنة القرن الحادي والعشرين في رأيي».

وذكر تقرير لـ«بلومبرغ» نُشر، الأربعاء، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدعم تشريعاً يسمح لها بمصادرة بعض الأصول الروسية المجمدة من أجل المساعدة في إعادة بناء أوكرانيا، التي أصبحت أجزاء منها في حالة خراب بعد أن أرسلت موسكو جيشها إليها في فبراير (شباط) 2022.

وقالت زاخاروفا، التي اتهمت واشنطن بمحاولة إقناع الاتحاد الأوروبي بالتوقيع على نفس خطة مصادرة الأصول، إن موسكو سترد بقوة إذا سُرقت أصولها. وأضافت: «سيتم اتخاذ إجراءات انتقامية، وستكون واضحة بحيث يمكن رؤيتها والشعور بها. وستكون مؤلمة». وقالت زاخاروفا إن الغرب يسعى الآن لإيجاد طرق جديدة لتمويل أوكرانيا بسبب الصعوبات المتزايدة في تأمين الدعم المالي لكييف.

وذكر البيت الأبيض، الخميس، إن المساعدات الأميركية لأوكرانيا «توقفت تماماً» مع استمرار المفاوضات في واشنطن بشأن حزمة مساعدات يمكن ربطها بإصلاح شامل لإجراءات أمن الحدود.



المصدر

صالح علي

كاتب ومحرر صحفي

فقدان اثنين من أفراد البحرية الأميركية أثناء عمليات قبالة سواحل الصومال

لن نتدخل في البحر الأحمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *