مترجمو الأندية… بين اختلاف الثقافات وتباين «المعرفة الكروية»
في عالم كرة القدم الحافل بالصراع والتنافس المثير بين الأندية، يلعب المترجم دوراً حاسماً ومفصلياً في تسهيل التواصل بين اللاعبين ووسائل الإعلام والجماهير. ويُعد الجسر الحيوي الذي يمكنه ترجمة المعلومات والمشاعر والمفاهيم الكروية بدقة وإتقان. لذا يتطلب العمل في هذا المجال مهارات لغوية عالية ومعرفة عميقة بثقافة اللعبة وأصولها.
وفتحت تصريحات البرتغالي لويس كاسترو، المدير الفني لفريق النصر الباب أمام المشكلات التي تصاحب عملية الترجمة الصحافية.
وقال كاسترو، عقب الخسارة أمام الرائد، ضمن منافسات الجولة 23 من دوري روشن: «منذ متى النصر لم يفز ببطولة قبل تحقيق البطولة العربية؟ لا تفكروا أن النصر يحقق بطولة كل عام؟ الذين قبلي ماذا يفعلون كانوا يبحثون عن الأعذار، هذا الموسم فزنا بالكأس ولكن هناك سنوات كثيرة لم يفز النصر ببطولات فيها».
وعاد كاسترو عقب الانتصار على الأهلي في الجولة 24 ليلقي اللوم على المترجم موضحاً: «أحترم نادي النصر ولا يمكن أن أقلل من فريق أريد تحقيق الألقاب معه، وأحياناً المترجم لا يوصل الفكرة بالشكل الذي أريده».
عندما يجلس المدرب أو اللاعب أمام وسائل الإعلام لإجراء مقابلة أو مؤتمر صحافي، يكون المترجم حلقة الوصل الأساسية بينه وبين الصحافة، إذ يترجم المترجم الأسئلة والأجوبة بدقة وفي الوقت المناسب، مما يسهم في تبادل المعلومات بشكل سلس وفعال وبفضل مهاراته اللغوية وفهمه العميق لثقافة الكرة، ويستطيع المترجم تفسير الأسئلة المعقدة والتعبير عن ردود الفعل العاطفية للرياضيين بشكل دقيق.
وفي كل يواجه المترجم في مجال كرة القدم العديد من التحديات. فعلى سبيل المثال، يجب عليه فهم المصطلحات الفنية والتكتيكية الخاصة باللعبة وترجمتها بدقة، مما يتطلب معرفة واسعة بأصول اللعبة وأحدث التطورات فيها. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المترجم أن يحافظ على حساسية ثقافية عالية لفهم الاختلافات الثقافية بين اللاعبين والصحافة المختلفة من مختلف أنحاء العالم.
الخلفية الكروية «مربط الفرس»
وقال السعودي مشاري الغامدي، المترجم بنادي القادسية، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «من الضروري جداً أن تكون لدى للمترجم خلفية كروية وفنية ومعرفة بمصطلحات كرة القدم».
وأضاف الغامدي: «لا يمكن ترجمة ما لا تفهمه وبذلك تصبح الترجمة حرفية وهذا لا يخدم المدرب فنياً في مجال كرة القدم ولكن ربما يكون ذلك مفيداً في ترجمة الكتب».
وأفاد: «بشكل شخصي أتعامل مع هذه الأمور بتطوير نفسي بأخذ دورات تدريبية معتمدة إلى جانب معرفتي ومتابعتي لكرة القدم لأكون على اطلاع تام على كل جديد بالمجال الفني في ظل تطور النهج الفني باستمرار».
من جانبه، قال المصري عمرو علي، المترجم بنادي التعاون لـ«الشرق الأوسط»: «يلزم للمترجم الإلمام والمعرفة التفصيلية المتعلقة بتفاصيل اللعبة وقواعدها والبحث المستمر ومتابعة كل ما هو جديد في قوانين اللعبة ويكون البحث بكل اللغات التي يجيدها وليس فقط باللغة الأم فالبحث ومتابعة القوانين بحسب عدد اللغات التي يجيدها تجعل إيصاله للمعلومة أكثر سهولة وحضوراً».
ولا يقتصر دور المترجم في كرة القدم على ترجمة المقابلات الصحافية فحسب، بل يمتد أيضاً إلى العمل خلف الكواليس. فيمكن للمترجم أن يتعامل مع ترجمة الوثائق الرسمية للأندية والاتحادات الكروية، بما في ذلك العقود والتقارير والبرامج التدريبية. كما يمكن للمترجم أن يعمل مع المدربين والمسؤولين التنفيذيين في الفرق لتسهيل التواصل مع اللاعبين الأجانب وفهم احتياجاتهم ومطالبهم.
يمكن للمترجم أن يساعد في تجنب الاختلافات اللغوية والثقافية ويعزز العلاقات الإيجابية بين الأطراف المعنية. يسهم دور المترجم في توسيع قاعدة المعجبين والمشجعين للفرق وزيادة الوعي العالمي باللاعبين والثقافات المختلفة.
وفي هذا الشق يرى الغامدي ضرورة الاعتماد على المترجم السعودي، موضحاً: «من وجهة نظر شخصية وتجربة عملية يفضل أن يكون المترجم من جنسية اللاعبين وأقصد السعوديين لأن اللهجة في اللغة العربية تمثل أهمية كبيرة في إيصال المعلومة».
وواصل: «اللاعب يحتاج لفهم ما يريد المترجم إيصاله مباشرة لذلك تجد أغلب المترجمين بالدوري المصري من الجنسية المصرية وفي الدوري المغربي من الجنسية المغربية وهكذا».
وشدد: «مع توفر الكادر السعودي المؤهل في كل المجالات، والترجمة إحداها فأرى أن الأمر لا يشكل عائقاً في الدوري السعودي».
تحديات ومصطلحات تكتيكية
وفي السياق ذاته أكد عمرو، أهمية التعامل مع تحديات الترجمة الفنية والمصطلحات التكتيكية والتكنولوجية بالدراسة والتعلم المستمر، مبيناً: «من المفضل للمترجم أن يكون على علم حتى بقراءة أجهزة التتبع (جي بي إس)، التي تحمل اصطلاحات تكنولوجية فعلية وشرح وإيصال المعلومة التي ينقلها مختص العلوم الرياضية داخل الفريق وأيضاً شرح الاختبارات المتعلقة بقياس السرعة ونبضات القلب وأحمال اللاعبين… إلخ».
وأردف: «هناك تفاصيل كثيرة جداً بحكم العمل تتطلب الاطلاع والحضور بشكل دائم لكل ما يتم تدشينه فالترجمة الفنية والتكتيك جزء هام جداً، حيث يتم نقل فكرة المدرب بشكل مفصل وسلس كما يرغبه المدرب وفي هذه النقطة هناك اختلاف كبير بين ما نستخدمه من مصطلحات أكاديمية للغة والمصطلحات الفنية».
وأوضح: «على سبيل المثال نستخدم في البرتغالية كلمة gatilho وهي تعني حرفياً في اللغة العربية زناد المسدس، بينما يتم استخدمها في كرة القدم للإشارة إلى الانطلاق للضغط على المنافس ويمكنك القياس على مئات المصطلحات الأخرى».
وعن الفرق بين الاستعانة بلاعب سابق يجيد اللغة الأجنبية أم استقدام مترجم متمكن في اللغة، قال: «لا يوجد فرق في حال كان المترجم ملماً بقوانين كرة القدم ويفهم النهج الكروي الفني فمثلاً في المؤتمرات السياسية لا يترجم للوزراء وزير سابق وإنما يترجم من يتقن الترجمة في هذا المجال، والترجمة في كرة القدم تندرج تحت الترجمة الرياضية لذلك قد يبدع ويتميز بها من يتمرس عليها مع شرط إلمامه التام بكرة القدم وقوانينها وإجادة اللغة إجادة تامة».
ولا يدعم عمرو، فكرة الاستعانة بمدرب سابق كمترجم: «المترجم هو أكاديمي رياضي فإجادة للغة هي الأساس وكما يقال في المثل (أعطي الخبز لخبازه)».
وتابع: «المسار الصحيح بالنسبة للاعب السابق هو أن يكون مدرباً أو مساعد مدرب أو مديراً رياضياً… إلخ أما المترجم فمتطلبات المهنة تفرض القيام كما ذكرت بترجمة شفهية وتحريرية وفورية سواء محاضرات من المدرب للاعبين عن الإعداد للمباريات والمنافسين وأيضاً مؤتمرات وقواعد وقوانين للعبة وأحاديث ولقاءات رسمية ومراسم وأحداث رياضية خاصة في ظل هذا التطور العظيم الذي يلفت انتباه العالم لكرة لقدم السعودية».
وأحياناً يفتقد المترجم للحماية على المستوى الإعلامي حال حدوث فهم خاطئ من جانب المدرب الأجنبي أو ربما تراجع الأخير عن تصريحاته إن أحدثت بلبلة لدى الجماهير.
ويرى الغامدي، أن المترجم المتمكن لن يتعرض لموقف كهذا، مضيفاً: «لو كان المترجم ملم ويفهم عمله وقوانين اللعبة فالمدرب سيكون على دراية بذلك وفي هذه الحالة لن يتجرأ على لوم المترجم ولكن إذا اتضح للمدرب غير ذلك قد يكون أحد أسباب عدم اكتمال عمله فمن حقه ذكر ذلك لأنه يشكل عائقاً أمام إيصال فكره للاعبين».
وعلى العكس، يرى عمرو أن هذه المشكلة نادرة الحدوث قائلاً: «أعتقد أن هذه المشكلة نادرة للغاية فالمترجم في صلب عمله هو رفيق للمدرب ويترجم كل ما يطلبه سواء بشكل شفوي أو تحريري أو فوري داخل الملعب وخارجه».
واستدرك: «صحيح لكل قاعدة شواذ ولكني أرى الأمر نادر الحدوث، فالمدربون أشخاص على مستوى عالٍ جداً من المعرفة والعلم والخبرة لكن الحماية للمترجم تأتي من ثقته في نفسه وفي عمله ومن شفافية نقله للمعلومة كما يقولها المدرب».
معلومات خاطئة… وكذب على المدرب
وعن المواقف الصعبة التي تعرض لها الغامدي وعمرو خلال عملهما أوضح الأول: «قلة خبرة بعض المسؤولين ومحاولة بعضهم في تمرير معلومات خاطئة أو الكذب على المدرب الأجنبي بحكم عدم معرفة الأخير بكثير من الأمور خارج المستطيل الأخضر». واسترسل: «في هذه الحالة يستعين المدرب بالمترجم وهنا تظهر شخصية الأخير في حال قبل بالخطأ أو رفضه وبالنسبة لي أرفض تمرير المعلومات المغلوطة، وهذا قد يتسبب في غضب المسؤول، وهنا تكمن إحدى الصعوبات لأنه يرى أنك يجب أن تترجم ما يمليه عليك حتى وإن كان غير صحيح»
وأكد الثاني: «الحمد لله لم أمر بأي مواقف صعبة حتى الآن».
اكتشاف المزيد من صحيفة دي إي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.