بن غفير ومؤيدوه يكرسون تباينات تل أبيب وواشنطن
في الوقت الذي هاجم فيه وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الرئيس الأميركي جو بايدن وقال إنه «لا يدعم إسرائيل، ويمنح مساعدات لغزة»، واصل المستوطنون المتطرفون المؤيدون للوزير تنفيذ هجمات ضد الفلسطينيين تركزت في الضفة الغربية.
وكرست تصريحات بن غفير وتحركات مؤيديه من التباين الإسرائيلي – الأميركي بشأن التعاطي مع تطورات الحرب في غزة، مما دعا ساسة إسرائيليين إلى وصفها بـ«المضرة» بالعلاقات بين واشنطن وتل أبيب، وأفادت تقارير بأن الشرطة الإسرائيلية تسعى كذلك إلى لجم تحركات المتطرفين.
وقال بن غفير، في مقابلة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، الأحد، إن بايدن «بدلاً من أن يمنحنا دعمه الكامل، منشغل بتقديم مساعدات إنسانية ووقود (لغزة) تذهب إلى (حماس)». واستطرد: «لو أن ترمب في السلطة، لكان سلوك الولايات المتحدة مختلفاً تماماً».
وأضاف بن غفير أن لديه خطة تتمثل في «تشجيع أهل غزة على الهجرة الطوعية لأماكن حول العالم»، من خلال منحهم حوافز مالية، واصفاً هذا بأنه «الشيء الإنساني الواقعي» الذي يمكن فعله؛ وفق ما نقلته «وكالة أنباء العالم العربي».
وقال بن غفير إن خطته لغزة بالمستقبل تتمثل في «إعادة تسكين القطاع الساحلي المدمر بمستوطنات إسرائيلية، بينما ستُعرض على الفلسطينيين حوافز مالية للمغادرة».
وزعم أنه يعرف من خلال مناقشاته مع فلسطينيين في الضفة الغربية، ومن خلال المعلومات الاستخباراتية التي يتلقاها بصفته وزيراً، أن «الفلسطينيين سيكونون منفتحين على هذه الفكرة». ومضى قائلاً إن عقد مؤتمر عالمي ربما يساعد في إيجاد دول راغبة في استقبال «اللاجئين الفلسطينيين».
وأكد أنه سيعارض أي صفقة مع حركة «حماس» تسمح بالإفراج عن آلاف الفلسطينيين المحتجزين «بتهم الإرهاب»، أو بإنهاء الحرب قبل «دحر حماس تماماً».
وعن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال بن غفير إنه «أمام مفترق طرق… وعليه أن يختار الاتجاه الذي سيذهب إليه». وأضاف: «أمام نتنياهو حالياً خياران: إما زيادة العزلة الدولية لإسرائيل إذا واصل الحرب، وإما احتمال فقدان السلطة» إذا سحب بن غفير المشرعين الستة في حزب «القوة اليهودية» الذي يتزعمه من الائتلاف الحاكم.
تصريحات مضرة
ووجه عدد من الوزراء الإسرائيليين انتقادات إلى بن غفير بشأن تصريحاته الفظة، وقالوا إن الأميركيين «سينظرون إلى إسرائيل على أنها ناكرة للجميل بسببه». وقال وزير الدولة عضو «مجلس قيادة الحرب»، بيني غانتس، إن تصريحات بن غفير «عديمة المسؤولية، وتضر بعلاقات إسرائيل الاستراتيجية».
وندد غانتس بتصريحات زميله في الحكومة، قائلاً إنه «مسموح بأن تكون هناك خلافات، حتى مع حليفتنا الأكبر والأهم، لكن يجب أن تجري في الهيئات ذات العلاقة وليس بتصريحات عديمة المسؤولية في وسائل إعلام، وتضر بعلاقات دولة إسرائيل الاستراتيجية وبأمن الدولة وبالمجهود الحربي في هذه الفترة».
وأضاف غانتس أنه «ينبغي على رئيس الحكومة أن يضبط وزير الأمن القومي، الذي بدلاً من الاعتناء بقضايا الأمن الداخلي، يلحق ضرراً هائلاً بعلاقات إسرائيل الخارجية».
وعلى النهج المنتقد نفسه، قال زعيم المعارضة، يائير لبيد، إن تصريحات بن غفير «استهداف مباشر لمكانة إسرائيل الدولية، واستهداف مباشر للمجهود الحربي، وتضر بأمن إسرائيل، وتثبت بالأساس أنه لا يفهم شيئاً في السياسة الخارجية». وتابع: «كنت سأدعو رئيس الحكومة إلى لجمه، لكن لا توجد لدى نتنياهو أي سيطرة على المتطرفين في حكومته».
عقوبات دولية
بدورها؛ أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية تصريحات بن غفير، وعدّتها «استعمارية وعنصرية وتحريضاً مفتوحاً على استكمال إبادة سكان غزة وطردهم من أرضهم بالقوة».
وقالت في بيان إن وزير الأمن القومي الإسرائيلي «يريد لكل مواطن فلسطيني في غزة أن يموت بالتجويع والتعطيش إذا نجا من الموت بالقصف والتدمير».
ورأت «الخارجية» الفلسطينية أن تصريحات بن غفير تمثل «تحدياً سافراً للإدارة الأميركية ومواقفها المعلنة، والإجماع الدولي وقرارات (محكمة العدل الدولية) و(مجلس الأمن الدولي) الخاصة بحماية المدنيين الفلسطينيين وتأمين احتياجاتهم الأساسية».
وطالبت الوزارة بفرض «عقوبات دولية» على بن غفير بوصفه «تهديداً مباشراً لأمن واستقرار المنطقة».
وذكرت أن بن غفير «لا يعطي أي اعتبار لإنسانية أكثر من مليونيْ فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، ويدعو لمنع وصول المساعدات إليهم، وينادي بتعميق الظروف البائسة غير الإنسانية في قطاع غزة بحيث يصبح غير قابل للحياة».
المتطرفون
وفي مسعى؛ على ما يبدو، للسيطرة على مستوى عنف المستوطنين المتطرفين المؤيدين بن غفير الذي يقود بحكم منصبه الشرطة الإسرائيلية، أقدمت أجهزة الأمن الإسرائيلية على تشكيل فرق (غير تابعة للشرطة) تنوي لجم المستوطنين.
وقالت مصادر أمنية، لوسائل إعلام إسرائيلية، إنها تدرك خطورة المستوطنين المتطرفين، لكنها تعدّهم «أقلية ضئيلة تحظى بترويج إعلامي يفوق قوتها بكثير، وتلحق ضرراً كبيراً بإسرائيل في المجتمع الدولي». ولذلك قررت مواجهتها وتطبيق القانون معها بهدف «منع تحول التدهور إلى فوضى عارمة في الضفة الغربية»، ومنحت «قوات حرس الحدود» مهمة فرض سلطة القانون.
وتنفذ فرق من المستوطنين عمليات اعتداء دامية ضد الفلسطينيين، تشمل مهاجمة بلدات وتحطيم وإحراق سيارات وقذف حجارة على البيوت وتدمير مزروعات وطرداً من المراعي والاستيلاء على الأراضي وإقامة بؤر استيطانية… وغيرها، وسط حماية من الجيش الإسرائيلي؛ بل وانضمام من بعض جنوده إلى المستوطنين في اعتداءاتهم.
وتنامت، على ما يبدو، في الآونة الأخيرة حالة وعي دولي بخطورة اعتداءات المستوطنين في دول أوروبية والولايات المتحدة التي بدأت في اتخاذ إجراءات عقابية للمستوطنين بشكل مباشر؛ إذ تجمع معلومات عنهم وتمنعهم من دخولها، مما أزعج قادة الجيش الإسرائيلي.
وفي نهاية الأسبوع كشفت مصادر سياسية عن أن الولايات المتحدة الأميركية طالبت السلطات الإسرائيلية؛ السياسية والعسكرية، بتقديم «توضيحات عاجلة» حول انتهاكات حقوقية ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنون بحق فلسطينيين في الضفة الغربية.
وانزعج قادة الجيش من تحذيرات واشنطن من أن تلك الممارسات تشكل انتهاكاً لـ«قانون ليهي»، الذي ينص على «حظر توريد الأسلحة الأميركية للجيوش التي تخالف المعايير الأميركية للحفاظ على حقوق الإنسان».
وقال مصدر عسكري لصحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الأحد، إن «الغرض من (قانون ليهي) الذي أقره الكونغرس عام 1997، هو منع الولايات المتحدة من التورط في جرائم خطرة ترتكبها قوات أجنبية تدعمها. وإزاء رفع دعاوى ضد إسرائيل في محكمتي لاهاي للإبادة ولجرائم الحرب، وإزاء الحرب على غزة، زادت المخاوف الأميركية».
وأكدت المصادر للصحيفة أن «الطلب الأميركي ترافق بتحذير قد يترتب عليه منع قوات تابعة للجيش الإسرائيلي تعمل في الضفة الغربية من تلقي مساعدات أمنية من الولايات المتحدة، إذا لم تكن التوضيحات مقنعة بالنسبة إلى واشنطن».
ووفقاً للصحيفة؛ فإن واشنطن سلمت تل أبيب تحذيرها بشأن انتهاكات الجيش الإسرائيلي قبل أكثر من شهر، وقالت إن وزارة الخارجية الإسرائيلية على اطلاع على هذه المسألة، وذكرت أن «قسم القانون الدولي التابع للنيابة العسكرية الإسرائيلية وغيرها من الهيئات القانونية، على اتصال بالجانب الأميركي لتقديم إجابات عن الحالات التي طالبت واشنطن تل أبيب بتقديم توضيحات بشأنها، والتي يعتقد الأميركيون أن هناك احتمالاً كبيراً بأنها تنطوي على انتهاكات لـ(قانون ليهي)».
وقبل نحو 10 أيام، دعت الولايات المتحدة إسرائيل إلى إجراء «تحقيق عاجل» في ملابسات وفاة الفتى الفلسطيني توفيق حجازي (17 عاماً)، الذي يحمل الجنسية الأميركية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، للصحافيين: «كنا واضحين في شأن التصعيد المأساوي للعنف في الضفة الغربية، وندعو جميع الأطراف إلى تفادي التصعيد».