«هدنة غزة»: مفاوضات القاهرة تدخل مرحلة «المناورات الأخيرة»
دخلت المفاوضات بين إسرائيل وحركة «حماس»، مرحلة «المناورات الأخيرة»، بحثاً عن «صيغة مقبولة» من الطرفين بشأن «هدنة» وصفقة لـ«تبادل الأسرى»، من المنتظر إعلانها قبل شهر رمضان.
ووصل ممثلون للولايات المتحدة وقطر و«حماس» إلى القاهرة، الأحد، لاستئناف المباحثات بشأن «الهدنة»، حسب ما أفادت به قناة «القاهرة الإخبارية». بينما لم يرد أي تأكيد رسمي من الجانب الإسرائيلي بشأن حضور الوفد الذي يمثله.
وأكد مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «مباحثات القاهرة تستهدف تجاوز العقبات أمام اتفاق الهدنة، والوصول إلى صيغة يقبلها الجانبان لإنفاذ الاتفاق قبل حلول شهر رمضان». وقال إن «القاهرة تبذل جهوداً مكثفةً في هذا الصدد بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة»، لافتاً إلى أن «جولات المفاوضات الأخيرة منذ التوافق على إطار باريس لم تكن سهلة، وتخللتها عدة عقبات لكن جميع نقاط الاتفاق الآن على الطاولة».
تأتي مباحثات القاهرة استكمالاً لجولات مفاوضات بدأت في باريس، نهاية الشهر الماضي، بمشاركة رؤساء مخابرات مصر والولايات المتحدة وإسرائيل ورئيس وزراء قطر، خلصت إلى بلورة «إطار اتفاق» بشأن «الهدنة»، أعقبها اجتماع مماثل في القاهرة، ثم مرة أخرى في باريس، بينما استضافت مصر وقطر خلال الأسابيع الماضية اجتماعات مصغرة لبحث تفاصيل وآليات تنفيذ الاتفاق، وتقريب وجهات النظر بين إسرائيل وحركة «حماس».
كانت الولايات المتحدة أعلنت، السبت، أنّ «إسرائيل قبلت مبدئيّاً ببنود مقترح هدنة». وهو ما لم تؤكده تل أبيب. وقال مسؤول أميركي إن «الطريق إلى وقف إطلاق النار الآن حرفياً في هذه الساعة واضح ومباشر. وهناك اتفاق مطروح على الطاولة. هناك اتفاق إطاري»، حسب «رويترز».
وبينما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قيادي في حركة «حماس»، قوله، الأحد، إن «الاتفاق على هدنة في غزة ممكن خلال من 24 إلى 48 ساعة، حال تجاوبت إسرائيل مع مطالبها»، نقلت شبكة تلفزيون «سي إن إن» الأميركية، الأحد، عن مصدر كبير في حركة «حماس» قوله إن ما يتم تداوله في وسائل الإعلام بشأن محادثات وقف إطلاق النار مجرد «تكهنات»، مع تأكيده وصول وفد الحركة إلى القاهرة.
وقال مسؤول فلسطيني، وصفته «رويترز» بالمطلع، إنهم «لم يقتربوا بعد من وضع اللمسات النهائية على الاتفاق».
ووصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، المرحلة الحالية من المفاوضات، بـ«مرحلة المناورات من الطرفين (إسرائيل وحماس)». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الطرفين يناوران الآن للحصول على أفضل مكاسب، والإعداد للجولة المقبلة من المباحثات التي ستكون الأصعب».
وأوضح أن «إسرائيل طالبت بكشف أسماء جميع المتبقين أحياءً من المحتجزين لدى (حماس)، وهو ما ترفضه الحركة لأنه سيؤثر على موقفها في المفاوضات المقبلة ما بعد الاتفاق على (الهدنة) خلال رمضان».
وبينما لم تؤكد إسرائيل حتى الآن موقفها من المباحثات، نقلت «رويترز» عن مصدر مطلع، لم تسمه، قوله إن «إسرائيل يمكن ألا ترسل أي وفد إلى القاهرة ما لم تقدم (حماس) أولاً قائمة كاملة بأسماء الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة»، وهو مطلب قال مصدر فلسطيني إن «(حماس) ترفضه حتى الآن باعتباره سابقاً لأوانه»، حسب «رويترز».
وأكد الرقب أن «هناك جهوداً كبيرةً تُبذل من كافة الأطراف في مصر وقطر والولايات المتحدة، وأن الأولوية لدى الجميع الآن تحقيق (هدنة) خلال شهر رمضان، لأن استمرار الحرب في رمضان سيؤثر سلبياً على الأمن الإقليمي».
وتوقع الرقب أن «يتم الإعلان عن الاتفاق خلال الأسبوع الحالي، على أن تدخل حيز التنفيذ الأسبوع المقبل»، مشيراً إلى أن «هناك اتفاقاً على مجمل جوانب الصفقة، حيث سيتم إطلاق سراح 40 محتجزاً لدى (حماس) مقابل 404 معتقلين فلسطينيين في سجون الاحتلال، كما تم التوافق على انسحاب إسرائيل من عمق المدن، والسماح بعودة النازحين من النساء والأطفال إلى شمال قطاع غزة».
أما بالنسبة للرجال، فيرى الرقب أن «إسرائيل ستعمل على إخلائهم ضمن مخططها لإخلاء رفح تمهيداً لاجتياحها الذي بات أمراً حتمياً»، مشيراً إلى «تخصيص منطقة آمنة على البحر من رفح حتى مشارف مدينة غزة».
ومن شأن الاتفاق المرتقب أن يقود إلى «هدنة» لمدة 6 أسابيع، يتخللها تبادل للمحتجزين من الجانبين، ستعد أول «هدنة طويلة» منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي لم تتوقف سوى لأسبوع في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في إطار اتفاق «هدنة» عقد وقتها بوساطة مصرية-قطرية.
ويتضمن الاتفاق زيادة كميات المساعدات التي تدخل غزة لإنقاذ سكان القطاع، لا سيما مع تحذيرات أممية من «المجاعة». كما من شأن الاتفاق أن يؤجّل عملية عسكرية في رفح، التي باتت الملاذ الأخير لنحو 1.5 مليون نازح فلسطيني فروا من ويلات الحرب في شمال القطاع.
يأتي هذا فيما يزداد الوضع صعوبة في شمال قطاع غزة، مع عدم وصول أي مساعدات، ما دفع مصر والولايات المتحدة ودول عربية أخرى إلى تنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات على مدار الأيام الماضية.
في سياق متصل، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لقاءً، الأحد، في القاهرة، مع مدير عام منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، شو دونيو، «شهد مباحثات معمقة بشأن الأوضاع في قطاع غزة»، حسب إفادة رسمية للمتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية المستشار أحمد فهمي.
وقال المتحدث الرسمي إن «اللقاء تناول الأوضاع الإنسانية الكارثية التي تصل إلى حد المجاعة في القطاع، وجهود مصر المكثفة لإدخال المساعدات براً وجواً لإغاثة أهالي غزة».
كما استقبل الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الأحد، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، وكبيرة منسقي الشئون الإنسانية وإعادة إعمار قطاع غزة، سيغريد كاغ، حيث أكد أبو الغيط أن «الأولوية في هذه المرحلة تنصب على تحقيق وقفٍ فوري لإطلاق النار، ووقف نزيف الدم، والحيلولة دون وقوع مجاعة للفلسطينيين في غزة»، حسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية جمال رشدي.
وقال رشدي إن «اللقاء ركز على تدهور الوضع الإنساني في غزة، والخطط المقترحة لإرسال المساعدات». ونقل المتحدث عن أبو الغيط «تأكيده على أن حرمان الفلسطينيين من المُساعدات الأساسية المنقذة للحياة يُعد حكماً بالإعدام وعقاباً جماعياً، وأن المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية عن هذه المأساة بسبب الضوء الأخضر الذي منحته بعض القوى الكبرى لإسرائيل لممارسة العدوان على هذا النحو البشع والمجرد من الإنسانية».