وجبات محدودة وأطعمة غير صحية تنقص أوزان أهالي غزة
لم تفلح الفلسطينية ميسون النجار في توفير القليل من الخبز لأبنائها الأربعة بعدما عجز زوجها، الذي انطلق مبكراً ليقف في طابور أمام أحد المخابز، في الحصول على الخبز، وعاد خالي الوفاض إلى مدرسة إيواء تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، لجأت إليها العائلة بعد قصف منزلها والمنطقة المحيطة به جنوب قطاع غزة.
اضطرت الأم إلى عصر قليل من الليمون على زجاجة ماء ليشرب منها أبناؤها، لتمتلئ بطونهم قليلا على أمل شعورهم بالشبع علّهم يخلدون إلى النوم في ليلهم الطويل رغم جوعهم، وهو الأسلوب التي تلجأ إليه كلما تعثرت جهودها في توفير الخبز أو الطعام.
توضح أنها تحاول تغيير مذاق الماء بقليل من الليمون أو البرتقال أو أي نكهة أخرى متوفرة، ليشعر الأبناء بأنهم يتناولون شيئاً مختلفاً، ما دام لا يتوفر لديهم الخبز أو أي أصناف أخرى يمكن استخدامها بديلا عنه، مشيرة إلى نجاحها أكثر من مرة في هذا النمط لكنه لم يعد يقنع أطفالها بعد تكراره، وأصبحوا يصرون على تناول الطعام.
تقول الأم محاولة إخفاء دموعها: «الخبز أساس الوجبات لدينا، وإذا لم يكن متوفرا فالصغار لا يعدون ما يقدم لهم طعاما، وبالتالي نلجأ إلى بدائل تشبعهم ولو جزئياً، لكن لا يمكن الاستمرار في ذلك، فهم يدركون الآن أننا نحاول إلهاءهم فقط». وأضافت «معظمنا لا يتناول الحد الأدنى المطلوب من الطعام من حيث الكم أو الكيف، فالطعام محدود وبسيط وغير كاف».
وتتساءل قائلة: «إلى متى يمكننا الاستمرار في النزوح وحرمان صغارنا من حقهم في الطعام؟ وكيف ستكون أوضاعهم الصحية وأجسادهم إذا ما طال أمد الحرب؟ وإذا كنا الآن نستطيع توفير قليل من الطعام، فهل يمكن ضمان ذلك بعد أيام أو أسابيع؟ بالتأكيد هذه حرب أخرى لا تقل تدميرا عن الحرب التقليدية ولا أفق أمامنا سوى الأسوأ».
وبينما تؤكد الأم الفلسطينية أن الجميع يعاني من نقص في أوزانهم وشحوب في وجوههم، فضلا عن القلق والخوف والرعب طيلة النهار والليل جراء القصف الإسرائيلي المتواصل، تحذر من عدم القدرة على مواصلة الحياة بهذه الطريقة في ظل الحرمان من الوجبات الصحية ولو بالحد الأدنى.
تتحدث آمال الثلاثيني بغضب عن سوء التغذية والضعف والهزال الذي أصاب النازحين خصوصا الأطفال، لعدم وجود طعام صحي، وحرمانهم من احتياجاتهم الطبيعة من الطعام، فضلاً عن الأضرار الكبيرة لبعض أصناف المأكولات المعلبة التي لا تتوفر سواها، وترى أن الجميع يعانون من أمراض وأعراض ترتبط بنوعية الطعام الرديئة وغير الصحية.
وتواجه العائلة، التي نزحت من مدينة غزة في الأسبوع الأول للحرب، صعوبات مضاعفة نظرا لأن الجد يعاني من جلطة دماغية وأمراض مرتبطة بها، إضافة إلى أنه مقعد ولا تتوفر له الاحتياجات الغذائية التي كان يتناولها قبل الحرب، ما أدى إلى ضعفه وتراجع حالته الصحية وعزوفه عن تناول الطعام المتوفر.
تجلس آمال إلى جانب زوجها زهير الذي تجاوز السبعين عاماً وهو ممدد على سرير في خيمة صغيرة من الخيام التي أقامتها (الأونروا) في مركز تدريب تابع لها بغرب خان يونس، وهي تحاول إقناعه بتناول قليل من الطعام والشاي، لكنه يرفض خشية تفاقم أوضاعه الصحية من رداءة الطعام المتوفر وفق تقديره، عادّاً أن الاستمرار في نمط الغذاء الحالي سيؤدي حتماً إلى المرض «خصوصا وأن كل الأطعمة لا تتناسب مع احتياجات الأشخاص الأصحاء فكيف بالمرضى».
ويقول: «لذلك أفضل البقاء دون طعام ويكفيني ما أنا فيه من أمراض، ولن أتسبب لنفسي في المزيد منها لمجرد تناول هذه المأكولات غير الصحية»، مضيفا «كل المتوفر معلبات وبعض أصناف جافة مثل الزعتر والدقة ونحو ذلك».
وفي مدرسة أخرى خصصتها (الأونروا) لتكون مركز إيواء، تتحدث أم أحمد أبو طعيمة (38 عاما) عن معاناة الصغار من حالات مغص وارتفاع في درجات الحرارة وشعورهم بالإعياء، فضلاً عن عدم قدرتهم في بعض الأحيان على اللعب وممارسة نشاطهم التقليدي وشعورهم بالإرهاق المستمر.
وتٌعبر أم أحمد عن خشيتها من وصول الأطفال إلى مرحلة تهدد حياتهم إذا ما استمرت الأوضاع الراهنة، لا سيما في ظل غياب الرعاية الصحية والبقاء لفترة أطول في مراكز الإيواء التي تفتقر لأدنى المعايير الصحية.
وتعمد بعض الأمهات إلى إلهاء أطفالهن باللعب ببعض الأدوات البسيطة، انتظاراً لإمكانية تسلم أي وجبة ساخنة تكون أكثر فائدة، بدلاً من تناول الزعتر أو الفول قبل انقطاعه أو قليل من الخبز والشاي، كما هي الحال مع عائلة أبو محمد التي نزحت من رفح للإقامة في ساحة مجمع الشفاء الطبي.
يرى أبو محمد أنه بعد مرور شهر من الحرب «لم يعد بالإمكان إطعام أطفالنا الأصناف غير الصحية، أو التي تفتقر لاحتياجاتهم الغذائية مثل البروتين والزيوت الصحية والكربوهيدرات وغيرها»، مؤكدا أن كل أهالي غزة، وليس الأطفال فقط، يعانون من سوء تغذية ونقص مستمر في أوزانهم نتيجة نوعية وكمية وجودة الطعام.
وتسجل في قطاع غزة عشرة آلاف حالة يومياً لأمراض مرتبطة بسوء التغذية والأمراض الجلدية والإسهال نتيجة رداءة نوعية الطعام ونقص المياه وقلة النظافة الشخصية، وفق مسؤول الصحة العامة في وزارة الصحة رامي العبادلة، الذي يؤكد المخاطر الكبيرة في موضوع التغذية السيئة والمياه غير الصالحة للشرب التي يعتمد عليها معظم أهالي القطاع خلال الفترة الحالية.
ويوضح أنه في الأوقات العادية كانت مياه الشرب تخضع لعمليات معالجة صحية لتتناسب مع الاستخدام الآدمي، لكن حالياً يتم ضخها من الآبار مباشرة، فضلاً عن طريقة نقلها وتعبئتها التي تفتقر لأدنى المعايير الصحية اللازمة، على حد قوله.
وبينما يحذر المسؤول الصحي من إمكانية انتشار الأمراض الوبائية نتيجة الأوضاع الراهنة على صعيد سوء حفظ الأغذية ونوعيتها التي لا تتناسب مع الأعمار كافة وافتقارها للمكونات الأساسية التي يحتاجها الجسم، يوضح قائلا إن الأطعمة بشكل عام غير صحية حاليا «ويمكن أن تفضي إلى مشاكل صحية متعددة في الوقت الحالي أو في المستقبل إذا لم يتغير واقع النزوح الراهن».