كشفت صحيفة إسرائيلية عن ضغوط أمريكية على تل أبيب لتوضيح حوادث قد تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان وذلك إثر عمليات لقوات إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، تحت طائلة تطبيق قانون ليهي الذي يحظرعلى واشنطن تزويد أي جهة متورطة في مثل هذه التجاوزات الجسيمة، بالأسلحة والذخائر في حال ثبوتها. فما هو قانون ليهي؟ وهل يمكن أن تطبقه الولايات المتحدة على إسرائيل في ظل استمرار عمليتها العسكرية في غزة والأراضي الفلسطينية؟
أفادت صحيفة إسرائيل هايوم Israel Hayom في مقال نشرته في 2 فبراير/شباط، عن ضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على إسرائيل لتقديم إجابات حول سلسلة حوادث قد تشير حسب هذه الإدارة إلى انتهاك وحدات عسكرية إسرائيلية لقانون ليهي (انظر التعريف أدناه) خلال عمليات في الضفة الغربية المحتلة.
أضاف نفس المصدر بأن القوات الإسرائيلية التي تنفذ عمليات في الضفة لن تحصل على ذخائر تمويلها أمريكي في حال فشلت الدولة العبرية في تقديم إجابات شافية حول هذا الأمر.
وتابعت الصحيفة الإسرائيلية بأن وزارة الخارجية بالقدس تلقت التحذير الأمريكي منذ شهر. وقالت إن قسم القانون الدولي في مكتب المدعي العام العسكري وكيانات قانونية أخرى هي حاليا على اتصال مع الجانب الأمريكي لبحث هذا الأمر، وبأن لدى تل أبيب مهلة شهرين فقط لإرسال إجاباتها حوله.
كما أوضحت إسرائيل هايوم بأن الخارجية الإسرائيلية سبق وأن تعاونت على مدى سنوات مع الإدارة الأمريكية في إطار قانون ليهي. وأفادت أيضا بأن “كل وحدة من قوات الأمن الإسرائيلية المقترحة لتلقي المساعدة الأمريكية تخضع للتدقيق بموجب قانون ليهي”.
وتطرقت نفس الصحيفة إلى محاولات سابقة قام بها السيناتور باتريك ليهي نفسه (انظر التعريف أدناه)، إبان الفترة الأخيرة من عهدة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لاستخدام نفس القانون لوقف المساعدة الأمنية لبعض من وحدات الجيش الإسرائيلي بسبب مزاعم عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وكان السيناتور الأمريكي الديمقراطي عن ولاية فرجينيا قال في تغريدة سابقة نشرها على حسابه في منصة “إكس”، في 15 مايو/أيار 2018، للتعقيب على التصعيد في غزة، دعا إلى التحقيق في وقوع انتهاكات قد تؤدي إلى حظر التعاون الأمني مع وحدات إسرائيلية بموجب قانون ليهي.
ما هو قانون ليهي الأمريكي؟
تُعرّف وزارة الخارجية الأمريكية قانون ليهي بالقول إنه مصطلح يشير إلى حكمين قانونيين يحظران على الولايات المتحدة استخدام الأموال، لمساعدة وحدات قوات الأمن الأجنبية في حال توافرت معلومات موثوقة تشير لتورطها في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وهي تلفت في بيان على موقعها الإلكتروني إلى أن أحد الأحكام القانونية ينطبق عليها، فيما يُعنى الآخر بوزارة الدفاع.
كما لفتت الوزارة إلى أن الحكومة الأمريكية تدرج من بين تلك الانتهاكات الجسيمة: أعمال التعذيب، القتل خارج نطاق القضاء، الاختفاء القسري، والاغتصاب. حيث إن تطبيق قانون ليهي يندرج أصلا ضمن المبادئ التوجيهية العالمية لحقوق الإنسان.
في عام 1997 تم سن قانون ليهي لأول مرة كحكم قانوني في وزارة الخارجية الأمريكية، وضمن مخصصات عملياتها، برعاية السيناتور باتريك ليهي من فيرمونت والذي يحمل القانون اسمه. في عام 1999 أدرج الكونغرس الأمريكي قانون ليهي في شقه المتعلق بوزارة الدفاع (البنتاغون) ضمن قانون المخصصات السنوية الخاص به. وأصبح نافذا بموجب المادة 362 من الباب العاشر من قانون الولايات المتحدة، حسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية.
في نفس السياق، أوضح د. سلام عبد الصمد أستاذ القانون الدولي في تصريحات لفرانس24 بأن قانون ليهي يهدف للتحقق من أن أي دول أجنبية يقع عليها خيار الحصول على المساعدات الأمريكية، بما فيها العسكرية واللوجستية والمواد القتالية مثل الدبابات والطائرات الحربية والصواريخ وبشكل عام كل الأسلحة التي تصدرها البلاد للخارج، عن طريق سفارات الولايات المتحدة في العالم، هي “لا تنتهك حقوق الإنسان ولا تخالف القانون الدولي ولا ترتكب جرائم يُعاقب عليها القانون الدولي”.
وأضاف عبد الصمد بأن الولايات المتحدة كانت فعليا تقوم في كل مرة تختار فيها دولة معينة كواجهة لصادراتها من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة، “بتفعيل هذا القانون وتطلب من سفارتها لدى هذا البلد إجراء تحقيق دقيق شامل ووافٍ عن مدى توافق وملاءمة هذه الدولة مع أحكام القانون الدولي وحقوق الإنسان وخصوصا عدم ارتكابها لإبادة جماعية، وعدم الإضرار بحقوق الطفل، وعدم الإتيان بكل ما من شأنه أن يمس بالأمن والأمان الدوليين أو يخالف المواثيق الدولية. بطبيعة الحال فإن هذا القانون يُفرض على وزارة الدفاع الأمريكية لأنه يشكل جزءا من مخصصاتها”.
اقرأ أيضاغوتيريس يحذر: هجوم إسرائيلي محتمل على رفح “سيزيد ما هو أصلا كابوس إنساني” في غزة
على صعيد آخر، وفي منطقة الشرق الأوسط، أطلق مشرعون أمريكيون في 24 يونيو/حزيران 2014 لإعادة النظر في مساعدات عسكرية لمصر بقيمة أكثر من مليار دولار سنويا، ردا على إصدار محاكم مصرية أحكام إعدام جماعية بحق شخصيات معارضة وأحكاما بالسجن لفترات طويلة على صحافيين.
وفي تلك الفترة، عبّر السناتور الديمقراطي باتريك ليهي رئيس اللجنة الفرعية بمجلس الشيوخ عن أسفه لما أسماه “السقوط نحو الاستبداد” من جانب القاهرة وقال إن “حجب المساعدات العسكرية عن النظام المصري جعل قادته يعرفون أن الإجراءات القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان وسيادة القانون هي مبعث قلق عميق للشعب الأمريكي والكثيرين في الكونغرس، حسب تقرير لوكالة رويترز.
وكان ليهي يشير في تصريحاته تلك إلى قرار واشنطن تعليق مساعداتها لمصر عقب إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي في 2013، قبل أن تقرر الإفراج عن جزء منها لاحقا.
لكن هل ستقوم الولايات المتحدة بوقف التعاون الأمني مع إسرائيل بموجب قانون ليهي؟ في ظل تقارير عن ارتكاب قواتها انتهاكات في الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب العدد الهائل من الضحايا المدنيين ونصفهم من النساء والأطفال في قطاع غزة وتدمير البنى التحتية واستهداف الصحافيين والأطقم الطبية والمشافي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
“إسرائيل.. الاستثناء الوحيد”
ذهب عبد الصمد بعيدا في القول إن الولايات المتحدة وعلى النقيض من تفعيل قانون ليهي، بادرت منذ “هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول عندما اجتاحت حماس كيبوتس في إسرائيل” إلى فتح جسر جوي لفائدة إسرائيل يسمح للحكومة الأمريكية بتوريد وتصدير وتوصيل الملايين من المساعدات النقدية والعينية والمواد القتالية والمعدات العسكرية من دبابات وأيضا من طائرات وصواريخ وسفن، حتى إن الولايات المتحدة شاركت نفسها من خلال السفن المنتشرة في مناطق بالبحر المتوسط.
وتساءل محدثنا: “لكن ما يعنينا في قانون ليهي، هو هل تم تفعيله بحق إسرائيل قبل أن يتقرر مد هذا الجسر الجوي؟ أم أن إسرائيل لطالما كانت هي الاستثناء الوحيد على هذا القانون وعلى أداء الحكومة الأمريكية؟ على اعتبار أن إسرائيل لا تخضع أصلا لأي قانون أو معايير دولية”.
وهو يجيب ههنا بقوله إننا لو طبّقنا قواعد قانون ليهي المتعارف عليها والتي تُطبق على باقي الدول، فإننا “سنجد أنه يجب منع توريد أو توصيل أو تصدير أسلحة إلى إسرائيل بفعل ما ترتكبه من انتهاكات وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، إلى جانب ما يرتكبه المستوطنون الإسرائيليون المسلحون”.
يضيف عبد الصمد: “نعلم بأن الحكومة الإسرائيلية سلحت المستوطنين للدفاع عن النفس ضد الفلسطينيين. فهل يتم تفعيل هذا القانون؟ أم أنه يطبق على الجميع ما عدا إسرائيل؟ المنطق والعُرف والقضاء الدولي والمواثيق الدولية تُلزم الولايات المتحدة بتفعيل قانون ليهي في سبيل منع إيصال الأسلحة لإسرائيل على اعتبار انتهاكها للمواثيق والمعاهدات الدولية والقرارات الأممية وارتكابها جرائم إبادة جماعية سواء في غزة أو في الضفة الغربية”، على حد قوله.
اقرأ أيضامحكمة العدل الدولية: على إسرائيل “منع ومعاقبة” التحريض على الإبادة في قطاع غزة
وكانت صحيفة ذي غارديان قالت في مقال نشرته في منتصف يناير/كانون الثاني، إن مسؤولين من وزارة الخارجية الأمريكية تمكنوا من “التحايل على القانون الأمريكي الذي يهدف إلى منع تواطؤ الولايات المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان من قبل وحدات عسكرية أجنبية، بموجب قانون ليهي”. وأضافت الصحيفة البريطانية نقلا عن مسؤولين سابقين قولهم، إنه قد “تم وضع سياسات داخلية استثنائية على مستوى وزارة الخارجية لفائدة الحكومة الإسرائيلية. وهي ترتيبات خاصة غير متوفرة لأي حليف آخر للولايات المتحدة”.
ونقلت ذي غارديان عن السناتور باتريك ليهي قوله إن “القانون (ليهي) لم يطبق بشكل متسق، وما رأيناه في الضفة الغربية وغزة هو مثال صارخ على ذلك. دعوت على مدار سنوات عدة الإدارات الأمريكية المتتالية إلى تطبيق القانون في تلك المنطقة، لكن هذا لم يحدث”.
“تفعيل قانون ليهي ضد إسرائيل غير وارد”
من جانبها، تساءلت سحر خميس أستاذة الإعلام في جامعة ميريلاند الأمريكية في مداخلة على فرانس24: هل يمكن أصلا أن يتم إثبات أية انتهاكات إسرائيلية أو أن تعترف الولايات المتحدة بها؟ هل من الممكن فعلا أن تعترف واشنطن بانتهاكات قامت بها إسرائيل وبالتالي تقوم بوقف الدعم العسكري والأمني لها؟ تقول سحر خميس إن “الإجابة هي: لا طبعا. حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تبادر في الأساس إلى توجيه أي نوع من أنواع اللوم أو حتى العتاب أو الاتهام لإسرائيل في أي ملف يتعلق بانتهاكات، سواء كانت لحقوق الإنسان أو للأعراف الدولية أو للقوانين والمواثيق الدولية”.
وعرّجت سحر خميس على الشكوى التي أودعتها جنوب أفريقيا مؤخرا لدى محكمة العدل الدولية والتي اتهمت فيها بريتوريا إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المبرمة في 1948 كرد عالمي على محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.
وقالت محدثتنا في هذا الشأن: “لقد شهدنا ذلك بشكل واضح وجلي في تعليق الولايات المتحدة على إحالة جنوب أفريقيا على محكمة العدل الدولية لملف المذابح التي تحدث في غزة وما أسمته أيضا بعملية الإبادة الجماعية والإبادة العرقية ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل. قامت الولايات المتحدة بالمسارعة للاعتراض على هذه الشكوى والقول إنها غير ضرورية ولا داعي لها على الإطلاق، وأنه نوع من أنواع التشويش وصرف الانتباه عن جهود محاولة وقف إطلاق النار ولو بشكل جزئي، وإعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس وغير ذلك مثل مواضيع تقديم الجهود الإنسانية وإغاثة المدنيين الأبرياء في غزة وتقديم المساعدات الضرورية لهم على باقي القضايا. بالتالي، كان هنالك عدم ترحيب لا بل انتقاد أمريكي لتحويل ملف ما يحدث في غزة وانتهاكات إسرائيل إلى القضاء الدولي”.
اقرأ أيضامحكمة العدل الدولية: جنوب أفريقيا تتهم إسرائيل بانتهاك اتفاقية “الإبادة الجماعية”، ماذا بعد؟
كما ساندت واشنطن إسرائيل على مدار أشهر رغم محاولات دولية عدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ووقف عمليتها العسكرية ضد حركة حماس في غزة بأروقة الأمم المتحدة. تقول أستاذة الإعلام في جامعة ميريلاند الأمريكية في هذا الإطار: “لقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن ضد مساعي وقف إطلاق النار، حتى تتمكن إسرائيل من استكمال سياستها ومخططاتها وما ترمي إليه من أهداف عسكرية في قطاع غزة. كل هذا معناه أننا ما زلنا حتى هذه اللحظة أمام تبنٍ أمريكي للموقف الإسرائيلي ودعم كامل يكون في كثير من الأحيان غير محدود وغير مشروط لحليفتها الأولى”.
وختمت سحر خميس بالقول: “ومن ثمة فإن فكرة أن توجه إليها أي نوع من الاتهامات أو الإدانات في ملف الانتهاكات وحقوق الإنسان وما شابه، أمر غير قائم في الإطار العام الجيواستراتيجي والدولي في ظل هذه المساندة الكاملة والكبيرة من الولايات المتحدة لإسرائيل. وعليه، فإن إمكانية استخدام هذا القانون وتفعيله ضد إسرائيل تحديدا هو أمر غير وارد وغير مطروح”.
للإشارة، فقد أعلنت وزارة الصحة في غزة الخميس عن مقتل ما لا يقل عن 27840 فلسطينيا وإصابة 67317 آخرين في الهجمات الإسرائيلية على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وأضافت الوزارة أن نحو 130 فلسطينيا قتلوا وأصيب 170 آخرون خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وذكرت في بيان بأن “الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 15 مجزرة ضد العائلات في قطاع غزة راح ضحيتها 130 شهيدا و170 إصابة”، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
كذلك، قال نادي الأسير الفلسطيني الأربعاء إن هناك زيادة كبيرة في أعداد المعتقلين الفلسطينيين إداريا في السجون الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول ليسجل 3484 معتقلا بينهم أطفال ونساء. وأضاف نفس المصدر أن “هذا العدد لم يُسجل فعليا حتى في سنوات انتفاضة عام 1987”.
كما أشارت وكالة الأنباء الفرنسية إلى مقتل شابين فلسطينيين مساء الأربعاء برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، ما يرفع عدد الفلسطينيين الذين قتلوا من قبل الجيش أو المستوطنين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلى 385 في الضفة بحسب آخر إحصاء لوزارة الصحة الفلسطينية.