«مساعدات غزة»: لماذا تفجر آلية «الإنزال الجوي» الجدل؟
تواصلت، السبت، عمليات «الإنزال الجوي» للمساعدات على قطاع غزة، خصوصاً في مناطق الشمال التي تعاني نقصاً حاداً في المساعدات الإغاثية، ويواجه سكان تلك المناطق نقصاً حاداً في الإمدادات الغذائية يصل إلى «المجاعة» وفق تقارير أممية. وانضمت الولايات المتحدة، للمرة الأولى إلى عمليات «الإنزال الجوي» للمساعدات على قطاع غزة، وسط حالة من الجدل بشأن جدوى «الإنزال الجوي» للمساعدات، في ظل عدم قدرة الولايات المتحدة «الضغط» على الحكومة الإسرائيلية للتجاوب مع دخول المساعدات براً، وهي السبيل «الأيسر والأقل تكلفة لإنفاذ المساعدات إلى القطاع»، وفق خبراء.
وقال مسؤولان أميركيان، إن القوات الجوية الأميركية نفذت، السبت، أول عملية إسقاط جوي للمساعدات على غزة بـ3 طائرات «سي – 130». وقال أحد المسؤولين إن الطائرات الثلاث أسقطت 35 ألف وجبة غذائية. وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد صرح، الجمعة، بأن الولايات المتحدة ستبدأ إسقاط المساعدات جواً على غزة، وستبحث عن طرق أخرى لإدخال الشحنات، «بما في ذلك ممر بحري».
ونقلت وكالة «رويترز»، السبت، عن بعض المسؤولين الأميركيين أن «الإسقاط جواً وسيلة (غير فعالة) لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة، لأن كل عملية يُمكن أن تنقل ما تحمله شاحنة إلى 4 شاحنات مساعدات فقط»، في حين أشار رئيس المنظمة الدولية للاجئين، جيرمي كونينديك، إلى أنه «يمكن إدخال ما يزيد على 250 شاحنة أو أكثر عبر البر». وأضاف أن «عمليات الإنزال الجوي باهظة التكلفة وصغيرة الحجم».
وبدوره، قال مسؤول أميركي، لـ«رويترز»، إن عمليات الإنزال الجوي «سيكون لها تأثير محدود في التخفيف من معاناة السكان، فهي لا تحل المشكلة من جذورها»، مؤكداً أن فتح الحدود البرية الحل الأنجع.
ومن جانبه، أعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية، غريب عبد الحافظ، أن القوات الجوية المصرية واصلت أعمال الإسقاط الجوي لأطنان من المواد الغذائية والاحتياجات الإنسانية العاجلة شمال قطاع غزة. وأوضح في بيان عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، السبت، أن «القيادة العامة للقوات المسلحة أصدرت أوامرها بتجهيز طائرات نقل عسكرية محملة بأطنان من المواد الغذائية والاحتياجات الإنسانية العاجلة للتخفيف من المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة، حيث نُفذت أعمال الإسقاط الجوي للمساعدات بمناطق متفرقة بشمال القطاع، بينما تواصل مصر جهودها لضمان إنفاذ المساعدات الإنسانية العاجلة لتلبى الاحتياجات الأساسية الملحة لأبناء الشعب الفلسطيني».
وعلى مدى الأيام الماضية نفذت مصر والأردن وقطر والإمارات وفرنسا طلعات جوية لإسقاط عشرات الأطنان من المساعدات والمواد الإغاثية العاجلة للتخفيف من الأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها المواطنون الفلسطينيون في شمال غزة.
وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، بأن مصر أكدت أنها ستسقط المساعدات جواً لقطاع غزة «بغض النظر عن موافقة إسرائيل»، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، مساء الجمعة. وفي وقت سابق، قالت مصادر مطلعة لـ«القاهرة الإخبارية»، إنه سيجري استئناف الإسقاط المصري – الإماراتي – الأردني للمساعدات الإنسانية فوق قطاع غزة، لتلبية احتياجات سكان القطاع.
ويثير ازدياد اللجوء إلى عمليات «الإنزال الجوي» لتوصيل المساعدات الإغاثية إلى المناطق الأكثر معاناة في قطاع غزة تساؤلات بشأن الصعوبات التي تواجهها عمليات دخول المساعدات براً عبر معبري رفح و«كرم أبو سالم»، في ظل تصاعد الانتقادات للإجراءات الإسرائيلية التي تؤدي إلى تباطؤ أو منع دخول المساعدات.
وانتقد مسؤولون مصريون أكثر من مرة العقبات الإسرائيلية التي تحول دون دخول المساعدات الإنسانية بكميات كافية أو بوتيرة منتظمة، بينما كان فريق الدفاع الإسرائيلي، خلال الجلسة الثانية لمحكمة العدل الدولية للنظر في اتهام جنوب أفريقيا لإسرائيل بمخالفة اتفاقية منع الإبادة الجماعية، قد ألقى بالمسؤولية على مصر في عدم دخول المساعدات إلى غزة، وهو ما رفضته القاهرة بشدة.
من جانبه، أشار سفير مصر السابق لدى إسرائيل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حازم خيرت، إلى أن مصر والدول العربية، التي قال إنها «ضاقت ذرعاً بالعراقيل الإسرائيلية لمنع دخول المساعدات لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة تلك العراقيل»، لافتاً إلى أن آلية «الإنزال الجوي» للمساعدات الإغاثية قد تكون في بعض الأحيان أفضل من دخول الشاحنات التي تستهدفها قوات الاحتلال الإسرائيلي، أو تحول دون وصولها إلى كثير من المناطق في عمق القطاع وفي المناطق الشمالية. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة تلتزم ببذل كل الجهد من أجل التوصل إلى تهدئة، بحكم ما لديها من اتصالات مع مختلف الأطراف سواء على الجانب الفلسطيني أو حتى مع إسرائيل»، مشدداً على أن دخول المساعدات عبر عمليات الإنزال الجوي «ليس بديلاً عن ضرورة وقف القتال؛ لكنها على الأقل وسيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة».
واستبعد سفير مصر السابق لدى إسرائيل أن تجري عمليات «الإنزال الجوي» للمساعدات في غزة التي تقوم بها مصر ودول عدة «من دون موافقة إسرائيل»، لافتاً إلى أن جيش الاحتلال «يحكم حصاراً على القطاع براً وبحراً وجواً، وتأمين عمليات الإنزال تتطلب إجراءات لتأمين الطائرات لتفادي الدخول في أمور (أكثر تعقيداً)»، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل «ربما اضطرت للموافقة على عمليات الإنزال للتخفيف من حدة التوتر الإقليمي والضغوط التي بدأت تتصاعد نتيجة فداحة الخسائر الإنسانية في قطاع غزة، واتجاه ملايين السكان فيه إلى مواجهة خطر المجاعة».
ورأى خيرت أن «التصريحات المتشددة» من الجانب الإسرائيلي فيما يتعلق بالتعامل مع الفلسطينيين كثيراً ما تكون لإرضاء القواعد الشعبية لليمين المتطرف في الداخل الإسرائيلي، منوهاً بأن الأشهر الأخيرة شهدت «صعوداً مقلقاً للتطرف السياسي والديني في أوساط الإسرائيليين».
وكان دخول المساعدات إلى قطاع غزة قد بدأ في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رغم إصرار إسرائيل على منع دخول أي مساعدات إلى القطاع، وتباينت وتيرة دخول المساعدات إلى القطاع، إذ تخضع الشاحنات التي تدخل عبر معبر رفح للتفتيش في معبر نتسانا الإسرائيلي (المقابل لمعبر العوجة)، ثم جرى لاحقاً السماح بدخول الشاحنات عبر معبر كرم أبو سالم؛ لكن تظاهرات لإسرائيليين رافضين لدخول المساعدات حالت بالفعل دون انتظام الحركة بالمعبر.
ورغم إقرار مجلس الأمن الدولي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لإنشاء آلية أممية لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية المأساوية في القطاع، وتعيين منسق أممي رفيع المستوى لتسهيل دخول وتنسيق ومراقبة والتحقق من المساعدات داخل القطاع، فإن معدل دخول المساعدات إلى القطاع ظل يواجه صعوبات.
وقدرت تقارير أممية عدد الشاحنات التي كانت تدخل قطاع غزة قبل 7 أكتوبر الماضي بنحو 500 شاحنة يومياً، إضافة إلى عشرات الشاحنات التي تحمل الوقود الذي يمثل عنصراً حيوياً لانتظام الخدمات الحياتية بالقطاع، إلا أن إسرائيل فرضت قيوداً صارمة على دخول المساعدات خصوصاً الوقود، ما أدى إلى تعطل معظم المرافق الحيوية في غزة. ووفق تقارير لمنظمات دولية، «لم يصل معدل النفاذ اليومي من الشاحنات على مدى الأشهر الخمسة لداخل القطاع إلى نصف المعدل المعتاد قبل اندلاع الحرب، بل تشهد حركة عبور الشاحنات توقفاً كاملاً في بعض الأحيان نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلي جنوب القطاع، بينما منعت سلطات الاحتلال مراراً وصول أي مساعدات إلى مناطق شمال غزة».