تتسارع وتيرة التحركات السياسية والتنسيقات الأمنية باتجاه إنضاج وساطة بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة، تُفضي إلى «وقف مؤقت» لإطلاق النار بطابع إنساني.
ورغم شح المعلومات فإن مؤشرات عدة تؤكد أن «زخم المشاورات الجارية في مسارات ومستويات متعددة يدفع باتجاه إطلاق سراح عدد من المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، جلهم من حملة الجنسيات الأجنبية، مقابل هدنة بضعة أيام تُسهم في تخفيف وطأة العمليات العسكرية الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».
مساعي إنضاج الوساطة جرت بين عواصم عربية عدة، وبتنسيق أميركي أمني ودبلوماسي من كثب، إذ ترغب الولايات المتحدة في تحقيق إنجاز على الأرض يمكن تسويقه في الداخل الأميركي، عقب تنامي الانتقادات حتى داخل الإدارة الأميركية لنهج البيت الأبيض في التعامل مع أزمة غزة، أو في الخارج الذي تتآكل فيه المواقف الغربية الداعمة لإسرائيل «دون تحفظات».
جهود مصرية – قطرية
ووفق مصدر مطلع تحدث لـ«الشرق الأوسط» فإن «هناك رغبة أميركية لإنضاج وساطة تؤدي إلى ممرات وهدن إنسانية مؤقتة، وتسليم أسرى في أوضاع حساسة، خصوصاً كبار السن وأصحاب الأمراض».
ولا يبدو هذا المطلب بعيد المنال، سواء في ظل رغبة «حماس» تخفيف الضغوط الدولية عليها، أو في ظل تسارع الاتصالات والجهود المصرية – القطرية في هذا المسار، والذي أوضح المصدر أن التنسيق الأميركي مع كل من القاهرة والدوحة «يسير بخطى ثابتة»، بل إن هناك «رغبة أميركية في تنسيق الجهود المصرية القطرية ضماناً لنجاعة أفضل، وإنجاز أسرع».
وجاءت القمة المصرية – القطرية في القاهرة، الجمعة، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لتجسد وصول المساعي على مسار إعلان «وقف مؤقت» لإطلاق النار إلى مستوى القيادة السياسية، بما يشي بقرب الدخول في مرحلتها النهائية.
ووفق بيان «الرئاسة المصرية» فقد بحث السيسي وتميم «أفضل السبل لحماية المدنيين الأبرياء في غزة، ووقف نزيف الدم، واستُعرضت الجهود المكثفة الرامية لتحقيق وقف لإطلاق النار».
تحركات ومشاورات
اليوم السابق على القمة المصرية – القطرية، كان حافلاً بالتحركات والمشاورات التي تعكس تعدد الأطراف الضالعة في جهود التوصل إلى «وقف مؤقت» لإطلاق النار، أو «هدنة إنسانية»، إضافة إلى إنضاج تفاهمات تتعلق بإطلاق سراح عدد من الأسرى والمحتجزين في قطاع غزة لدى فصائل المقاومة الفلسطينية. وشهد، الخميس، قمة قطرية – إماراتية، ركزت على بحث تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وسبل تعزيز العمل الإنساني، وحماية المدنيين، وخفض التصعيد.
وكانت الدوحة قد استضافت، الخميس، وفقاً لما ذكره مصدر لوكالة «رويترز» لقاءً ثلاثياً شارك فيه مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، ويليام بيرنز، ورئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد»، ديفيد بارنيا، ورئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووفق المصدر فقد كان البند الوحيد على أجندة الاجتماع هو «بحث معالم اتفاق على إطلاق سراح الرهائن والوصول لهدنة». كما قالت وزارة الخارجية الأميركية، الخميس، إن وفداً أميركياً برئاسة وكيلة وزارة الخارجية للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، عزرا زيا، سيزور مصر، للقاء مسؤولين مصريين وممثلي وكالات الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الإنسانية الأخرى لبحث «الشراكة المستمرة في تسهيل التدفق السريع والمستدام للمساعدات إلى غزة».
وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والشيخ تميم بن حمد قد أكدا الخميس «ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة؛ لإتاحة الفرصة لإيصال المساعدات الإنسانية الإغاثية، وذلك من خلال توفير آليات آمنة ومستدامة لهذا الغرض بجانب الأولوية المطلقة لحماية أرواح المدنيين، وفق قواعد القانون الإنساني الدولي وضمان سلامتهم»، وأشارا إلى «أهمية العمل على تجنب اتساع دائرة العنف والتصعيد، وتفادي مزيد من الأزمات الإنسانية في المنطقة، وإيجاد أفق واضح للوصول إلى سلام دائم وعادل وشامل في المنطقة».
القاهرة لم تكن بعيدة عن زخم تلك التحركات، ففي توقيت متزامن، الخميس، كان أبرز قيادات المكتب السياسي لحركة «حماس» يصلون إلى العاصمة المصرية للقاء الوزير عباس كامل، مدير المخابرات العامة المصرية، وبالطبع كان الوضع في غزة، هو العنوان المعلن للقاء من دون إعلان للتفاصيل.
قوافل الإغاثة
تكهنات كثيرة أعقبت زيارة وفد «حماس» برئاسة إسماعيل هنية، والذي ضم كلاً من خالد مشعل رئيس الحركة في إقليم الخارج، وخليل الحية رئيس مكتب العلاقات العربية في الحركة، من بينها ما طرحه المتحدث الإعلامي الفلسطيني، أسامة عامر، المقرب من حركة «حماس»، والذي توقع أن «تشهد الساعات أو الأيام المقبلة وقفاً جزئياً أو كلياً لإطلاق النار لدخول قوافل الإغاثة إلى قطاع غزة، وصولاً للوقف الكامل للعدوان الإسرائيلي». وأوضح عامر أن «الوقف الكامل لهذا العدوان هو ما تطالب به المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكل أطيافه»، مشيراً إلى أنه بعد ذلك «يجري تنفيذ صفقة تبادل للأسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، مقابل الأسرى الضباط والجنود الصهاينة الموجودين لدى المقاومة».
وفي مصر، قال الإعلامي والبرلماني المصري، مصطفى بكري، في تدوينة له على حسابه على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، إن لقاء قادة المكتب السياسي لـ«حماس» في القاهرة، أثمر عن «قبول (حماس) للوساطة المصرية جنباً إلى جنب مع الوساطة القطرية لإنهاء أزمة الرهائن، شريطة وقف إطلاق النار، وفتح الباب أمام المزيد من المساعدات، والإفراج عن الأطفال والنساء من الأسري الفلسطينيين».
تفاصيل الصفقة التي يجري التشاور بشأنها نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر مقرب من حركة «حماس»، أفاد بأنها تشمل «هدنة من 3 أيام» في مقابل إطلاق سراح 12 رهينة «نصفهم أميركيون». وتحتجز «حماس» نحو 240 رهينة بين إسرائيليين وأجانب، وفق السلطات الإسرائيلية، بينما أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية عن مقتل عدد منهم جراء القصف الإسرائيلي المتواصل للقطاع.
ولم يستبعد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، رخا أحمد حسن، إمكانية التوصل «قريباً جداً» إلى «هدنة أطول من هدنة الساعات الأربع» التي أعلنت الولايات المتحدة أن إسرائيل وافقت عليها. ووصف حسن «الهدنة الأميركية» بأنها «هزلية وبلا قيمة»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن الجهود المصرية – القطرية يمكنها أن «تبلور اتفاقاً أكثر صموداً» بفضل العلاقات والانخراط الإيجابي الذي تمتلكه تلك الدول مع أطراف مؤثرة في معادلة الصراع.
وعدّ عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، القمة المصرية – القطرية «مؤشراً على اقتراب الوساطة من إنجاز على الأرض»، مشيراً إلى أن «قطر لديها حضور قوي في هذا الملف بفعل اتصالاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة وإيران و(حماس)»، بينما تمتلك مصر «حضوراً قوياً في غزة واتصالات مؤسسية مع واشنطن وتل أبيب».