«روح حكيموف» جديدة ترسم مستقبل العلاقات السعودية – الروسية
أمضى عدد من الدبلوماسيين والمسؤولين السابقين والأكاديميين والخبراء السعوديين والروس ساعات من النقاشات العميقة الأسبوع الماضي، في محاولة لاستلهام ما وصف بـ«روح حكيموف» جديدة، لرسم مستقبل العلاقات السعودية – الروسية.
ويعد كريم حكيموف (1892-1938) أول دبلوماسي سوفياتي يُعيّن في المملكة العربية السعودية، ويعود له الفضل في تأسيس علاقات بلاده مع المملكة الفتية التي وحّدها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، طيب الله ثراه، مطلع الثلاثينات الميلادية من القرن المنصرم.
وبفضل جهود حكيموف الذي يتجذر من «بشكيريا»، الجمهورية ذات الأغلبية السكانية المسلمة في أواسط روسيا الاتحادية، كان الاتحاد السوفياتي أول دولة تعترف بالمملكة العربية السعودية في ذلك الوقت، كما نجح في كسب ثقة الملك عبد العزيز وبناء علاقات متميزة بين البلدين.
يؤكد أوليغ أوزيروف رئيس نادي حكيموف الذي يرأس الوفد الروسي الزائر للرياض، إن «روح حكيموف حية الآن، وتعطي لنا قوة وقدرة أن نتقدم للأمام».
ويضيف في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت هذه النقاشات تعيد روح (حكيموف) جديدة بقوله: «بالتأكيد نحن نعتقد أن نادي حكيموف من خلال الاسم وبرنامج عمله وأعضائه ينقلون روح حكيموف؛ روح الصداقة والعلاقات الودية بين بلدينا، روح العلاقات بين المسلمين الروس والمسلمين في المملكة العربية السعودية، ونعتقد أن هذه الروح الآن حية وتعطي لنا قوة وقدرة أن نتقدم للأمام».
والتقى الوفد الروسي المؤلف من أعضاء نادي حكيموف الذي تأسس العام الماضي، ومجموعة من الخبراء والمستعربين الروس، بما في ذلك دبلوماسيون مثلوا بلادهم لدى السعودية وممثل من البرلمان الروسي (الدوما)، بنظرائهم السعوديين، منهم باحثون في مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية، ومركز الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، وغيرهم.
ومن اللافت أن زيارة الوفد الروسي جاءت مباشرة بعد زيارة قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرياض قبل أيام، أجرى خلالها مباحثات وصفها الكرملين بـ«المهمة للغاية» مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء.
يقول أوزيروف الذي كان يشغل سفير روسيا لدى السعودية خلال الفترة من 2010 – 2017 إن الهدف الأساسي لنادي حكيموف هو «دراسة الماضي، وتحليل واقع العلاقات بين السعودية وروسيا، وكذلك العالم العربي والشرق الأوسط، وتقديم مقترحات خاصة بمستقبل علاقاتنا».
وأشرف كريم حكيموف على مرحلة إيجابية من العلاقات السعودية – السوفياتية، ونظم زيارة الملك فيصل (الأمير آنذاك) إلى الاتحاد السوفياتي عام 1932، لكن الحال انتهى بـ«الباشا الأحمر» كما كان يطلق عليه السعوديون في تلك الفترة، بأن يصبح أحد ضحايا المرحلة الستالينية؛ إذ أعيد إلى موسكو عام 1937، ثم اعتُقل بتهمة التجسس والمشاركة في منظمة مناهضة للثورة، وأُعدم في 10 يناير (كانون الثاني) 1938.
يقول أوليغ أوزيروف إن «كريم حكيموف بشخصيته وجهوده عمل كثيراً لإقامة العلاقات بين البلدين، ولعب دوراً كبيراً في أن يصبح الاتحاد السوفياتي الدولة الأولى التي اعترفت بالمملكة العربية السعودية».
كما عرج أوزيروف على «دور الملك عبد العزيز الذي أصبح صديقاً لكريم حكيموف واقترح بعض الأشياء التي كانت مثمرة وأعطت فرصة لتطوير العلاقات والتجارة، وهو من قدم فكرة مجيء الحجاج المسلمين من الاتحاد السوفياتي في ذلك الحين».
ولفت رئيس نادي حكيموف إلى أن الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، كان «صاحب فكرة انعقاد المؤتمر الإسلامي العالمي الأول عام 1926، وفي هذا المؤتمر تم الاعتراف بالملك عبد العزيز بصفته خادماً للحرمين الشريفين، كانت مرحلة مثمرة جداً وبالفعل شكلت القاعدة لتطوير علاقاتنا مستقبلاً».
الجانبان السعودي والروسي بحثا التحضير للاحتفاء بالذكرى المئوية للعلاقات بين البلدين التي تصادف عام 2026، بحسب السفير أوزيروف.
ويضيف: «البعض يقول مبكراً بحث ذلك، لكن إذا بدأنا بعض المشاريع مثل المشروع السينمائي الكبير وصُنع فيلم وثائقي عن تاريخ علاقاتنا، أو فيلم درامي عن حياة حكيموف أو حياة الملك عبد العزيز، هذا يتطلب وقتاً طويلاً».
وفي نظرته للعلاقات الحالية بين الدولتين، يرى رئيس نادي حكيموف أن هنالك تطابقاً واضحاً في وجهات النظر بين روسيا الاتحادية والسعودية في الكثير من المجالات.
ويقول: «على المستوى السياسي جئنا لحسن الحظ مباشرة بعد زيارة الرئيس بوتين للمملكة، وخلال هذه المناقشات الكثيرون كانوا يتحدثون عن أهمية زيارته في هذا الوقت للسعودية، وقدروا تقديراً عالياً رؤية الرئيس الروسي بشأن بناء النظام العالمي الجديد المبني على تعددية الأقطاب والعدالة والأخذ بعين الاعتبار آراء الآخرين وليس إملاء من طرف واحد في القرارات الدولية».
وأشار أوزيروف إلى أن روسيا والسعودية تواجهان تحديات مشتركة على المستويين الإقليمي والدولي، ومن ذلك العقوبات الغربية التي وصفها بغير القانونية ضد بلاده والتي عقّدت تطوير العلاقات مع المملكة وغيرها من الدول، إلى جانب الأزمة الفلسطينية وما يحدث في غزة، حيث أكد الرئيس بوتين والأمير محمد بن سلمان موقفاً موحداً تجاهها.
وأضاف: «نحن نطلب من المجتمع الدولي ومن إسرائيل وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن، وتقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني (…) نعتقد أن ما يوحد روسيا والسعودية هو التمسك بالقيم التقليدية في كل شيء؛ العائلية، والعلاقات بين الناس، ونقاط التفاهم والاتفاق بين البلدين تتسع من يوم لآخر».
في ختام حديثه، أكد السفير أوزيروف أن الأبواب مفتوحة لتطوير العلاقات بين البلدين في شتى المجالات؛ إذ يتشاركان نفس الرؤية للمستقبل، على حد تعبيره، وقال: «مستقبل يأخذ بعين الاعتبار مصالح بعضنا، وجدول متبادل واحترام لبعضنا كشعب وحضارة، وأعتقد أن هذه رؤية حضارية مهمة جداً في علاقاتنا؛ لأننا نعد العالم الإسلامي قطباً حضارياً وثقافياً مع جذور عميقة في تاريخ البشرية، ونفس الأمر روسيا هي بلد حضاري، مع عنصر إسلامي كبير كما تفضل الأمير تركي الفيصل بأن المسلمين الروس يمثلون جسراً بيننا».
وتابع: «كذلك مهم دور نادي حكيموف في بناء علاقات على المستوى الإنساني؛ لأنه يضيف إلى العلاقات الرسمية، بما يسمح لبحث الأمور بشكل غير رسمي».