مع مرور نحو ستة أشهر على بدء الحرب في قطاع غزة، بات شبح الموت يطارد أطفاله الصغار الذين يعانون سوء تغذية حاد إثر تفاقم أزمة الجوع ومنع إسرائيل دخول المساعدات إلى القطاع. العاملون بالمجال الطبي في غزة يروون الكثير من القصص المروعة عن وفيات الأطفال الذين “يتوافدون بأعداد لم يسبق لها مثيل” على المستشفيات. وذكرت وزارة الصحة في غزة إن 15 طفلا لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية أو الجفاف في بيت لاهيا. بينما قال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية “للأسف من المتوقع أن تكون الأرقام غير الرسمية أعلى”.
نشرت في:
6 دقائق
في مركز العودة الصحي في رفح، بجنوب غزة، صباح الإثنين، رقد رضيعان فلسطينيان بعينين غائرتين ووجهين هزيلين على سرير في إحدى مستشفيات غزة، وبرزت أرجلهما النحيلة التي تظهر عظامهما من تحت حفاضات بدت كبيرة جدا بالنسبة لهما.
وقالت الممرضة ضيا الشاعر إن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ومجموعة أخرى من الأمراض يتوافدون بأعداد لم يسبق لها مثيل. وقالت “نواجه عددا كبيرا من المرضى يعانون من هذا الإشي وهو سوء التغذية”.
كان وزن أحد الرضيعين، ويدعى أحمد قنان، ستة كيلوجرامات. وقالت عمته إسراء كلخ المرافقة له بالمستشفى إن هذا هو نصف وزنه قبل الحرب. وقالت لرويترز “يوم عن يوم تزداد حالته سوء والله يستر من اللي جاي”.
خمسة أشهر من الحرب… مأساة الطفولة في غزة
بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على شن إسرائيل هجومها الجوي والبري على قطاع غزة وما نتج عنه من نزوح جماعي، أدى النقص الحاد في الغذاء إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأزمة تغذية، وهي جزء من كارثة إنسانية أوسع نطاقا.
وقالت وزارة الصحة في غزة أمس الأحد إن 15 طفلا لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية أو الجفاف في مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بشمال غزة الذي يعاني من نقص كبير في الغذاء.
اقرأ أيضاوزارة الصحة في قطاع غزة تعلن “ارتفاع حصيلة شهداء المجاعة بين الأطفال إلى 6”
وقال كريستيان ليندماير المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية “للأسف من المتوقع أن تكون الأرقام غير الرسمية أعلى”.
وأدت أزمة الجوع المتفاقمة إلى تصاعد الانتقادات من دول العالم لإسرائيل، بما في ذلك من نائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريس التي تعتبر بلادها أقوى حليف لإسرائيل. وقالت أمس إن الناس في غزة يتضورون جوعا ودعت إسرائيل إلى بذل المزيد من الجهود لزيادة تدفق المساعدات بشكل كبير.
وحصلت رويترز على مقطع مصور سجل يوم السبت في منطقة كمال عدوان تظهر فيه امرأة تدعى أنوار عبد النبي وهي تبكي بجانب جثة ابنتها ميلا الطفلة الصغيرة التي كانت قد ماتت للتو في سريرها. وقالت وهي تنتحب “الحمد لله رب العالمين. انتقلت ابنتي جميلتي، ابنتي الناعمة، إلى رحمة الله. نقص كالسيوم وبوتاسيوم.. نقص الأكسجين كذا مرة”.
وقال الممرض أحمد سالم الذي يعمل في وحدة العناية المركزة بالمستشفى إن أحد عوامل ارتفاع عدد وفيات الأطفال هناك هو أن الأمهات الجدد يعانين من سوء التغذية.
وأضاف أن الأمهات لا يستطعن إرضاع أطفالهن بينما لا يوجد بالمستشفى حليب صناعي. وقال إن ذلك أدى إلى وفاة أطفال في وحدة العناية المركزة وآخرين في الحضانات أيضا.
’العجز واليأس’
يصل إلى قطاع غزة مساعدات غذائية أقل كثيرا من الاحتياجات. وتزداد المشكلة سوءا في شمال القطاع لأن المعابر الوحيدة التي تسمح إسرائيل للشاحنات بالمرور منها تقع في الجنوب. وسبق أن استولت حشود يائسة على بعض شاحنات المساعدات قبل وصولها إلى الشمال.
وقالت أديل خضر المديرة الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) “قطعا هو شعور لا يطاق. الشعور بالعجز واليأس بين الآباء والأطباء الذين يدركون أن المساعدات المنقذة للحياة، والموجودة على بعد بضعة كيلومترات فقط منهم، بعيدة المنال”.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في أحدث تقاريرها عن الوضع بتاريخ الأول من مارس آذار إن نحو 97 شاحنة يوميا دخلت غزة في فبراير/شباط، بانخفاض عن نحو 150 في يناير كانون الثاني، وأقل كثيرا من الهدف البالغ 500 يوميا.
وتحمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل مسؤولية هذا النقص لأسباب منها إغلاق المعابر البرية إلى شمال غزة والعمليات العسكرية المستمرة والنظام المعقد لتفتيش إسرائيل للمواد المتجهة إلى غزة.
وتقول إسرائيل إنها لا تقيد وصول المساعدات الإنسانية أو الطبية لكن ضعف القدرات التشغيلية لمنظمات الإغاثة هو السبب في نقص المساعدات.
وعلى نطاق أوسع تتهم إسرائيل حركة حماس بإشعال فتيل الحرب بشنها هجوما على بلدات في جنوبها في السابع من أكتوبر أدى لمقتل 1200 شخص وخطف 253 رهينة. كما تتهم حماس باستخدام السكان المدنيين في غزة دروعا بشرية.
ويقول مسؤولو الصحة الفلسطينيون إن الهجوم الجوي والبري الذي شنته إسرائيل على غزة أودى حتى الآن بحياة ما يزيد على 30 ألف فلسطيني هناك.
وتوفي اليوم في مركز العودة الصحي برفح طفل يبلغ من العمر 12 عاما يدعى يزن الكفارنة. كانت رويترز قد صورته يوم السبت عندما كان شاحبا وهزيلا وعظام أطرافه بارزة.
وقال الدكتور جابر الشعار، رئيس قسم الأطفال في مستشفى أبو يوسف النجار برفح حيث عولج الطفل حتى نقله إلى مستشفى العودة، إن يزن كان مصابا بالشلل الدماغي وكان يعتمد على نظام غذائي خاص مثل الفواكه المخلوطة والحليب، وهي مواد لم تعد متوفرة في غزة.
وعزا الطبيب وفاة الصبي إلى سوء التغذية. وذاعت قصة يزن اليوم بعد أن استشهد بها المبعوث الفلسطيني رياض منصور في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقضت والدته، أم يزن الكفارنةـ آخر أيام حياته إلى جانبه. وقالت “كان يأكل ويشرب ويتحرك ويلعب ويضحك”.
فرانس24/ رويترز