لا تزال عمليات القصف والمعارك العنيفة في محيط مستشفيات قطاع غزة الأحد متواصلة بين الجيش الإسرائيلي الذي يحاول التقدّم داخل القطاع. الأمر الذي يهدّد حياة آلاف الفلسطينيين العالقين في مرافق صحية حذّرت منظمات دولية من أن وضعها “كارثي” ينذر بتحوّلها الى “مشرحة”. فيما ينفي الجيش الإسرائيلي استهداف المستشفى بشكل متعمد، لكنه كرّر اتهام حماس باستخدام المرافق الطبية كمقرّات لها ولقيادييها وبنيتها العسكرية، وهو ما تنفيه بشدة الحركة الفلسطينية.
تتعرض مناطق عدة في قطاع غزة لقصف إسرائيلي بلاهوادة، وبينها الجنوب حيث وصل عشرات آلاف الفلسطينيين خلال الأيام الماضية فارّين من الشمال حيث تتركز المعارك، ويصعب عليهم كما على من وصل قبلهم، إيجاد مأوى. بينما لا يجد معظم السكان غذاء ودواء وماء للشرب أو للاستحمام في ظل الحصار المطبق الذي تفرضه إسرائيل ردّا على الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة حماس ضدها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وقد أعلن وكيل وزارة الصحة التابعة لحركة حماس يوسف أبو الريش أن إسرائيل دمّرت “بالكامل مبنى قسم القلب في مستشفى الشفاء”، المستشفى الأكبر في قطاع غزة، وحيث لا يزال عشرات الآلاف من النازحين والجرحى والمرضى عالقين، بينما تتركز المعارك في محيطه منذ يومين.
هذا، وأكد شهود داخل المستشفى وقوع الغارة التي لم تتمكّن وكالة الأنباء الفرنسية من التحقّق منها بشكل مستقل. ولم يردّ الجيش بعد على طلب التعليق.
إلى ذلك، وفي وقت سابق كان الجيش الإسرائيلي قد نفى استهداف المستشفى بشكل متعمد، لكنه كرّر اتهام حماس باستخدام المرافق الطبية كمقرّات لها ولقيادييها وبنيتها العسكرية، وهو ما تنفيه بشدة الحركة الفلسطينية.
وصرّح المتحدث باسم الجيش دانيال هغاري “انتشرت معلومات كاذبة بأننا نطوّق مستشفى الشفاء ونقصفه. هذه تقارير كاذبة”، مضيفا “حماس تكذب بشأن ما يحدث في المستشفيات”. وقال هغاري “طلب طاقم مستشفى الشفاء أن نُساعد في إجلاء الأطفال الرضّع من قسم طب الأطفال نحو مستشفى أكثر أمانا. سنُقدّم المساعدة الضروريّة”.
هذا، وكانت جمعيّة “أطبّاء من أجل حقوق الإنسان” الإسرائيلية غير الحكومية أفادت الجمعة عن وفاة رضيعَين من الخدّج في مستشفى الشفاء.
وقالت الجمعيّة “خلال الساعات القليلة الماضية، تلقّينا تقارير مروّعة من مستشفى الشفاء. لا كهرباء ولا ماء ولا أكسجين. أدّى القصف العسكري إلى إلحاق أضرار بوحدة العناية المركّزة وكذلك بالمولّد الوحيد الذي ظل يعمل حتى الآن. ونتيجة لانعدام الكهرباء، توقّفت وحدة العناية المركّزة لحديثي الولادة عن العمل وأدى ذلك إلى وفاة رضيعين”. كما حذرت أيضا من وجود “خطر حقيقي على حياة 37 رضيعا من الخدّج الآخرين”.
ومن جهتها، قالت منظمة “أطباء بلا حدود” الأحد “في حال لم نوقف سفك الدماء فورا عبر وقف إطلاق النار أو الحد الأدنى من إجلاء المرضى، ستصبح هذه المستشفيات مشرحة”.
أما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) فقال إن 20 من أصل المستشفيات الـ36 في غزة باتت “خارج الخدمة”.
وأكّد الجرّاح محمد عبيد الموجود داخل مستشفى الشفاء في رسالة صوتية نشرتها “أطباء بلا حدود” عبر منصة “إكس”، انقطاع المياه والكهرباء والغذاء داخل المستشفى عن نحو 600 مريض خضعوا لعمليات جراحية، ووجود ما بين 37 و40 طفلا و17 شخصا آخرين في العناية المركزة. وتابع أن الوضع “سيء جدّا جدّا”.
“We are nearly sure that we are alone now. No
one hears us… The problem is to be sure that we can evacuate the neonatal patients because we have
about 37 to 40 premature babies.”Dr Mohammed Obeid, surgeon at Al-Shifa hospital, shares his testimony from today⤵️ pic.twitter.com/3oHC5GKzQ0
— MSF International (@MSF) November 11, 2023
وكان مدير مجمّع الشفاء محمد أبو سلمية حذّر من أن “الطواقم الطبية عاجزة عن العمل، والجثث بالعشرات لا يمكن التعامل معها أو دفنها”. كما أكد أن “المستشفى محاصر تماما والقصف مستمر في محيطه”.
ومن جانبه، أعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عن قلقه الأحد بعد “فقدان الاتصال” مع محاوريه في الشفاء.
معارك على محيط المستشفيات…
ولا تقتصر المعارك على محيط مستشفى الشفاء، بل تدور أيضا قرب مستشفيات أخرى في شمال غزة منها المستشفى الإندونيسي. وقال مديره عاطف الكحلوت إن نقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات دفع الى قطع الكهرباء عن محطة تحلية المياه وأجهزة طبية.
وأوضح أن المستشفى “يعمل بنحو 30 الى 40 بالمئة من قدرته”.
هذا، وقالت جمعية إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني إنّ “الدبابات والآليات العسكرية تحاصر مستشفى القدس من جميع الجهات”، مشيرة الى قصف مدفعي وإطلاق نار في محيطه.
وأشار الى أن المستشفى يضم نحو 500 مريض وأكثر من 14 ألف نازح، محذرا من أن الأطفال الرضع “يعانون من الجفاف بسبب انقطاع الحليب”.
وأضاءت قنابل سماء قطاع غزة ليل السبت الأحد، بينما سُمعت أصداء الانفجارات في أنحاء مدينة غزة، وفق لقطات فيديو لوكالة الأنباء الفرنسية، مع مواصلة القوات الإسرائيلية عملياتها البرية بغية “القضاء” على حركة حماس.
قصف مكثف وغارات طالت جنوب القطاع
في مدينة بني سهيلا في جنوب قطاع غزة، أفاد مراسل وكالة الأنباء الفرنسية عن تدمير عشرات المنازل ومقتل عدد من الأشخاص وإصابة العشرات بجروح في غارة إسرائيلية الأحد.
ويخوض الجيش الإسرائيلي معارك شرسة مع مقاتلي حماس في قلب مدينة غزة حيث تتركّز، وفق إسرائيل، قيادة حماس التي يتحصّن مقاتلوها في شبكة أنفاق.
وتقول حركتا حماس والجهاد الإسلامي إنهما تمكنتا من تدمير عدد من الآليات العسكرية الإسرائيلية.
أعداد النازحين في ارتفاع متواصل
وأعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأحد مقتل وإصابة “عدد كبير” من الأشخاص جراء قصف استهدف مقرا له في مدينة غزة كان قد أخلي من الموظفين تمهيدا لاستقبال النازحين.
كما أظهرت مقاطع مصورة لفرانس برس حفرة وسط باحة مدرسة تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في مدينة بيت لاهيا بشمال قطاع غزة.
أما في الجنوب الذي نزح إليه عشرات آلاف الفلسطينيين بعد إنذارات الجيش الإسرائيلي، أصبح الوضع الإنساني هناك كارثيا.
وأعلن بيان عسكري إسرائيلي الأحد، فتح “ممرّ آمن يمكّن السكان المدنيين من الإخلاء مشيا على الأقدام أو بواسطة سيارات الإسعاف من مستشفيات الشفاء والرنتيسي وناصر”.
هذا، وتمرّ كميات محدودة من المساعدات عبر معبر رفح الحدودي مع مصر. إذ أعلنت سلطات المعبر أنه من المقرر أن يتمّ فتحه مجددا الأحد للسماح بخروج الأجانب وعدد من الجرحى من غزة إلى مصر.
اقرأ أيضاقطاع غزة: لماذا ترفض مصر فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين وهل يلوح شبح “نكبة ثانية” في الأفق؟
“مساعدات طبية عاجلة” ومخاوف من اتّساع رقعة الحرب
وللمرة الثانية منذ بدء الحرب، قامت طائرة عسكرية أردنية بإنزال “مساعدات طبية عاجلة” فوق غزة مخصصة للمستشفى الميداني الأردني، وفق ما أعلن الجيش الأردني الأحد. وأكدت إسرائيل تنسيق العملية معها.
ويأتي هذا في ظل تزايد المخاوف من اتّساع رقعة الحرب إقليميا.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الأحد أنّ طائراته الحربيّة قصفت مواقع “بنى تحتيّة إرهابيّة” في سوريا بعد عمليّة إطلاق صواريخ استهدفت الجزء المحتل من هضبة الجولان.
كما تواصل تبادل القصف بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان.
واستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن تضطلع السلطة الفلسطينية الحالية بدور في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
ويذكر أنه قُتل أكثر من 11078 شخصا في قطاع غزة في القصف الإسرائيلي منذ بدء الحرب، بينهم أكثر من 4506 أطفال، وفق وزارة الصحّة التابعة لحماس.
أما في إسرائيل، فأوقع هجوم حماس قرابة 1200 قتيل في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون قتلوا في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وفق آخر أرقام للسطات الإسرائيلية. وقتل 42 جنديا في قطاع غزة منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية.
هذا، ويقدّر الجيش الإسرائيلي أن أكثر من 240 شخصا اقتيدوا رهائن إلى قطاع غزة بعد هجوم حماس، وبين هؤلاء 30 طفلا على الأقل، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.
فرانس24/ أ ف ب