الجيش الإسرائيلي يحذر نتنياهو من استمرار الجمود السياسي
فيما تشهد الضفة الغربية والقدس الشرقية تدهوراً أمنياً خطيراً، تمثل في مقتل 5 فلسطينيين في ليلة واحدة، نفذ فيها الجيش حملات اعتقال واسعة، وارتكب فيها مئات المستوطنين اليهود باعتداءات على حوارة وعدة بلدات فلسطينية أخرى، وأطلق بعض الشبان الفلسطينيين عمليات مقاومة برمي الحجارة وإطلاق الرصاص، خرجت قيادة الجيش الإسرائيلي بتحذيرات للحكومة مطالبة بتغيير السياسة الرسمية، وفتح آفاق سياسية، ولجم المستوطنين، ورد الوزير الثاني في وزارة الدفاع بتسليل سموترتش باتهام الجيش بانتهاج «سياسة ناعمة منبثقة من عصر اتفاقيات أوسلو البائد»، فيما حمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إيران مسؤولية التدهور.
وبدا أن إسرائيل تعيش حالة «الطاسة الضائعة»، التي تقود إلى فوضى عارمة وانفلات تام. فالبلاد تغرق في الصدامات الدامية. والسلطة غائبة. والمشكلة أن سموترتش الذي منحه نتنياهو مهمة وزير مسؤول عن المستوطنات وعن 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية يقود خطة مكتوبة لجعلها «فوضى منظمة». ومن جهته، الأمور واضحة ومرتبة وتسير وفقاً لنهج عقائدي. وما يجري في المناطق الفلسطينية من أحداث لا يتم صدفة، ولا بسبب المقاومة الفلسطينية، ولا بسبب الاعتداءات الاستيطانية، فقد نشر في سنة 2017 ما سمّاه «خطة الحسم»، وفيها يضع «خريطة طريق» إجهاض حل الدولتين؛ تبدأ بنشر الفوضى، والدفع لانهيار السلطة الفلسطينية، ثم الانقضاض على الحركة الوطنية الفلسطينية، ومن ثم الانتقال إلى تشجيع الفلسطينيين على الرحيل في البداية بطرق سلمية وإغراءات مادية ثم بأساليب القوة.
كان الجيش الإسرائيلي، الذي يغلق المناطق الفلسطينية في كل عيد يهودي ويقود حملات اعتقال يومية واسعة منذ مارس (آذار) 2022 شملت أكثر من 2000 فلسطيني في القدس والضفة وقتل 193 فلسطينياً خلال عملياته العسكرية، قد سرب إلى الإعلام أنه وجه تحذيراً لرئيس الحكومة من استمرار السياسة الحالية التي يسود فيها الجمود السياسي. وقال إن هناك جهات إرهابية فلسطينية تستغل هذا الواقع وتقوم بتجنيد شباب يائسين لتنفيذ عمليات مسلحة ضد الجيش والمستوطنين اليهود، وفي بعض الأحيان يجندون شباناً ويدفعون لهم المال.
وأشار قادة الجيش الإسرائيلي والمخابرات العامة، في هذا التحذير، إلى أن نشاط المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين يصب الزيت على هذه النار. وأكدوا أن هذه الاعتداءات زادت عدداً وحدّة وفظاظةً منذ مطلع السنة، أي مع انتخاب حكومة نتنياهو الجديدة (المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان كان قد حذر مساء الخميس من الارتفاع الحاد في عنف المستوطنين بالأراضي الفلسطينية بغطاء سياسي من الحكومة. وقال إن هذه الهجمات بلغت في النصف الأول من العام الحالي فقط 1148، تساوت تقريباً مع الهجمات التي حدثت طوال العام الماضي، التي يبلغ عددها 1197).
وقد رد الوزير سموترتش على هذا التحذير بهجوم شديد على القيادات العسكرية والأمنية. ووصل الجمعة إلى بلدة حوارة جنوب نابلس حيث أقام نائب من حزبه مكتباً برلمانياً له على الرصيف في الشارع الرئيسي.
واختار سموترتش توجيه رسالة إلى الجيش من حوارة بالذات، التي كان قد دعا إلى محوها عن البسيطة، وقال إن التدهور الحاصل في المناطق ناجم عن فشل سياسة هذه الأجهزة. وقال إن قادة الجيش والمخابرات ما زالوا عالقين في «تنفيذ سياسة ناعمة منبثقة من عصر اتفاقيات أوسلو البائد». وأضاف بلهجة تُشْتَم منها رائحة تهديد: «ما لم يحدثوا انعطافاً حاداً ويبدأوا بانتهاج سياسة حازمة مع قوى الإرهاب، سيقع الكثير جداً من الضحايا وستتدهور الأوضاع أكثر».
وكان سموترتش أبلغ نتنياهو بأنه سيزور حوارة، فلم يعترض. بل أبلغه أنه سيعقد جلسة مشاورات للتداول في تدهور الأوضاع. وأصدر بياناً قال فيه إن قوات «الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن ستستمر في العمل بشجاعة وحزم من أجل تطهير أعشاش المخربين في يهودا والسامرة، خصوصاً في حوارة، حيث أطلق مسلح النار على عائلة إسرائيلية».
والتقى نتنياهو، مساء الخميس، وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، ومدير «الشاباك» رونين بار، ورئيس القيادة المركزية للجيش اللواء يهودا فوكس، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء، واتهم إيران بالمسؤولية عن التدهور في القدس والضفة الغربية.
وقال نتنياهو: «إننا نرى إيران مسؤولة مباشرة عن موجة الإرهاب في يهودا والسامرة، بتشجيع وتمويل عمليات قاتلة ضد مواطني إسرائيل. وحكومة إسرائيل ستحارب الإرهاب بحزم وتدافع عن مواطني إسرائيل».
يذكر أن اليوم الأخير (منذ مساء الخميس حتى ظهيرة الجمعة) شهد عنفاً دامياً في جميع أنحاء الضفة الغربية والقدس، قتل خلاله خمسة فلسطينيين، اثنان منهم في حوارة، وأصيب أكثر من 200 فلسطيني و20 إسرائيلياً.
وقام الجيش بتنفيذ حملات اعتقال طالت حوالي 40 فلسطينياً. ونفذ المستوطنون هجمات على بلدات فلسطينية مختلفة، إضافة الى بلدة حوارة التي قام فيها مستوطن بقتل مواطن فلسطيني.
ودافع رئيس مجلس السامرة الإقليمي (المستوطنات اليهودية قرب نابلس)، يوسي داغان، عن اعتداءات المستوطنين، وقال إنها تأتي للدفاع عن النفس بغياب حماية الحكومة. وقال: «للأسف، حكومة اليمين فشلت مرة تلو الأخرى في توفير الأمن للإسرائيليين في وسط البلاد. ونحن لن نقبل وضعاً يقوم فيه الإرهابيون الفلسطينيون مرة تلو الأخرى باستهداف اليهود ومحاولة قتلهم».
وأدانت وزارة الخارجية والمغتربين في الحكومة الفلسطينية برام الله، بأشد العبارات، «الجريمة البشعة التي ارتكبها مستعمر حاقد وعنصري بإطلاق النار وقتل المواطن الشهيد لبيب ضميدي (19 عاماً) في حوارة، ليرتفع عدد الشهداء من أبناء شعبنا خلال أقل من 24 ساعة إلى 4 شهداء».
وعدّت الوزارة، في بيان لها، الجمعة، هذه الجريمة «امتداداً لجرائم واعتداءات ميليشيات المستعمرين المنظمة والمسلحة ضد أبناء شعبنا». وتساءلت: ماذا كان يعمل المستعمر في حوارة؟ ولماذا جاء يحمل سلاحه؟ وأين جيش الاحتلال في هذه الحالة؟ مضيفة أنها «أسئلة لا تدع مجالاً للشك أننا إزاء جريمة قتل متعمد، وأن المستعمر حضر إلى أرض فلسطينية محتلة وبلدة يقطنها فلسطينيون حاملاً سلاحه بهدف القتل، ولم يمنعه جنود الاحتلال رغم معرفتهم بنياته المسبقة، كما حصل في حالات سابقة في حوارة وغيرها، بما يؤكد أن جيش الاحتلال شريك بارتكاب تلك الجرائم كما هو حال المستوى السياسي في دولة الاحتلال».
اكتشاف المزيد من صحيفة دي إي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.