التقى المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، خلال الأيام الأخيرة في طرابلس، أكثر من 20 ممثلاً عن الجهات الأمنية والعسكرية في الغرب الليبي. وطبقاً لبيان البعثة، فإن هذه اللقاءات تأتي في إطار «سعي باتيلي لإشراك كافة الأطراف الفاعلة في مساعي حل الأزمة السياسية المستعصية بالبلاد»، على حد وصف البيان، وهو ما اعتبره بعض السياسيين والمحللين تعويل المبعوث الأممي على «دور القوى المسلحة بعموم البلاد، بعد تعثر مبادرته الرامية لجمع القوى الرئيسية على طاولة تفاوض»، فيما رأى آخرون أن اللقاء جاء في «إطار الاستماع لمطالب تلك القيادات العسكرية والأمنية».
وتبنى عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، الطرح الأول، وهو تعويل باتيلي على دور القوى المسلحة في شرق وغرب البلاد، وأرجع ذلك إلى «عدم تحقيق أي إنجاز يذكر بشأن مبادرته التي أطلقها منذ قرابة ثلاثة أشهر، والتي دعا إليها كلاً من المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والأعلى للدولة وحكومة الوحدة (المؤقتة)، والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي؛ للتوصل لتسوية للقضايا التي تعوق إجراء الانتخابات». كما لفت الزرقاء إلى قيام باتيلي بعقد اجتماع مع قائد الجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على الشرق والجنوب، بعد يوم واحد من اجتماعه مع قيادات المنطقة الغربية».
وقال الزرقاء لـ«الشرق الأوسط» إن تعويل باتيلي على القوى المسلحة في شرق وغرب البلاد، ومحاولة التنسيق بينهما بهدف التوصل لتسوية تمهد لإجراء الانتخابات، «قد يكونان في إطار مبادرة جديدة قد تطرح الأيام المقبلة، يتم فيها تهميش، أو ربما تنحية دور مجلسي النواب والأعلى للدولة، والحكومتين المتنازعتين على السلطة التنفيذية»، معتبراً أن هذا التوجه من قبل باتيلي «قد تعزز بدرجة كبيرة بعد إصرار مجلس النواب على موقفه برفض الانخراط في أي تفاوض يستهدف إعادة مناقشة القوانين الانتخابية التي تم إقرارها من قبله في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو الموقف الذي تم إبلاغه للمبعوث الخاص للولايات المتحدة الأميركية، وسفيرها في ليبيا ريتشارد نورلاند».
وكان رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، قد أكد خلال اجتماعه مع نورلاند مؤخراً في بنغازي، أن أي حوار جديد «يجب أن ينصب فقط على تشكيل حكومة موحدة، تنظم وتشرف على العملية الانتخابية».
وهنا رأى عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أنه «سواء كان هدف اللقاء مع القيادات العسكرية والأمنية بالغرب الليبي، هو تدشين مسار جديد لحل الأزمة، أو مجرد الاستماع لمطالبهم، فالنتيجة واحدة، وهي إضافة المزيد من العراقيل أمام حل الأزمة السياسية».
ورغم تأكيد بعض المشاركين من قيادات المنطقة الغربية على أن البعثة هي من وجهت الدعوات لهم للاجتماع مع باتيلي، بهدف بحث الوضع السياسي الراهن، لم يستبعد التكبالي «احتمال أن يكون رئيس حكومة الوحدة (المؤقتة)، عبد الحميد الدبيبة، وراء دفع البعض القيادات المسلحة، المقربة منه، للشكوى من إهمال البعثة للحوار، لتسارع هذه الأخيرة بعقد هذا الاجتماع»، مشيراً إلى «الخصومة السياسية ما بين الدبيبة والبرلمان، ورفض صالح وحفتر مشاركة الدبيبة في اجتماعات الطاولة الخماسية، وكيف انصبت مطالب قادة تلك التشكيلات، وفقاً لتصريحات بعضهم لوسائل إعلام محلية، على وجود ممثل عنهم ليشارك في تلك الطاولة».
وانضم التكبالي إلى أصوات عدة بالساحة اعتبرت أن اجتماع باتيلي مع بعض قادة التشكيلات المسلحة، التي يتعرض أداؤها لكثير من الانتقادات، «ليس إلا محاولة جديدة لشرعنة وجودها». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الهدف الحقيقي لهؤلاء القادة لا ينحصر في مشاركتهم في طاولة المفاوضات، بل تأمين نفوذهم وعدم المساس بها حال التوصل لأي حل سياسي».
أما رئيس الهيئة التأسيسية لـ«التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، فيرى أن مجرد بحث البعثة الأممية ضم أطراف رئيسية جديدة إلى طاولة المفاوضات «لن يسفر إلا عن استحالة تحققها». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الصعب الآن موافقة وتمرير قادة تلك التشكيلات لأي مخرجات سوف تخرج عن المبادرة حال انعقادها، أو أي طرح سياسي جديد».
في المقابل، أعرب الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، جلال الحرشاوي، عن اعتقاده بأن باتيلي «لا يزال يعمل على جمع الأطراف الرئيسية الخمسة، أو ممثليهم في إحدى العواصم الغربية، مع الاستمرار في الوقت ذاته في التحاور مع مجموعات أخرى». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن باتيلي «يرغب تحديداً في الحوار مع التيارات التي لا تنحاز للدبيبة في غرب ليبيا».
من جانبه، استبعد الباحث والكاتب الليبي، عبد الله الكبير، أن «يكون هناك أي تعويل من قبل باتيلي على القوى المسلحة بعموم البلاد في التمهيد لإجراء الانتخابات؛ إلا في إطار تأمينها فقط»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «ربما يكون هناك توجه جديد من قبل البعثة، وهو الاكتفاء بإجراء انتخابات تشريعية فقط، وفقاً لقانون انتخابات عام 2014 أو ما قبله، وربما تحاول البعثة استطلاع رأي تلك القوى المسلحة حول هذا المسار، وإمكانية مشاركتهم بتأمين العملية الانتخابية. إلا أنه استدرك بالقول إن «الأرجح هو أن الاجتماع بقادة التشكيلات جاء ضمن سلسلة اللقاءات التي تواصل البعثة عقدها مع أطراف عدة، من نشطاء مدنيين وقيادات حزبية».