منذ بداية حركة احتجاج المزارعين الفرنسيين، تم استهداف مراكز التوزيع الكبيرة للبضائع بنظام الجملة بانتظام. فالمزارعون يتهمونها على وجه الخصوص بعدم احترام قوانين “إيغاليم”، وهي سلسلة من النصوص تهدف إلى ضمان ثبات دخل المنتجين الزراعيين في مواجهة تقلبات أسعار المواد الخام وهيمنة كبار سلاسل الشراء المركزي… تحليل
نشرت في:
8 دقائق
قطع من المنصات الخشبية وأكوام التبن المكدسة ولهب نيران يتصاعد منها وسط عشرات الجرارات المتوقفة ترفع شعارات مثل “دعونا نعمل”، “حلم الطفولة يقتلنا في الكبر”. إن كان هذا المشهد قد بات معتادا تقريبا على العديد من الطرق الفرنسية منذ بداية حركة احتجاج المزارعين، فإنه صار يتكرر أيضا أمام المراكز التجارية الكبيرة للتوزيع بالجملة.
فاعتبارًا من 24 يناير/كانون الثاني 2024، بدأ المتظاهرون في استهداف مصنع لاكتاليس في دومفرون، في إقليم الأورن. وفي 28 يناير/كانون الثاني، جاء الدور على مركز سلسلة “سيستيم يو” في فاندارغ، في إقليم الإيرو، ليتم اقتحامه.
ويوم الأربعاء 31 يناير/كانون الثاني، قامت الاتحادية الفلاحية، ثالث أكبر نقابة زراعية في فرنسا والمحسوبة على اليسار، بنصب الحواجز مجددا أمام متاجر كارفور في ضواحي مدينة تولوز، وقطع الطريق أمام منصة لوجستية للمنتجات الطازجة من لوكلير في إقليم بوش دو رون، والتي تمد عادة نحو 70 متجرا بالمنتجات.
يقول لوران تيرون، المتحدث باسم الاتحادية الفلاحية في فوكلوز، لوكالة الأنباء الفرنسية، “نريد من تجار الجملة الكبار والصناعيين أن يشاركوا هوامش ربحهم قدر الإمكان وأن يدفعوا للمزارعين بالسعر المناسب”.
اقرأ أيضاهل اتفاقيات الاتحاد الأوروبي للتجارة الحرة هي سبب محنة القطاع الزراعي في فرنسا؟
في الوقت نفسه وعلى الشبكات الاجتماعية، يتم منذ بضعة أيام تداول منشور بحث عن مفقود، وهو محاكاة ساخرة، يدعو إلى “البحث” عن ميشيل-إدوار لوكلير، رئيس اللجنة الاستراتيجية لسلسلة متاجر لوكلير. “ميشيل إدوار لوكلير، اختفى في خضم أزمة القطاع الزراعي. إن كان لديكم أي معلومات عنه، فأخبروا وسائل الإعلام. تنبيه: ميشيل إدوار لوكلير يتحايل على قانون “إيغاليم” عبر اللجوء إلى مراكز شراء أجنبية حتى لا يدفع للمزارعين بالسعر المناسب”، هذا ما نقرأه في منشور لمجموعة “ممثلي بائعي الحبوب” (إنتر سيريال)، التي تمثل مزارعي الحبوب.
قوانين إيغاليم “غير كافية”
ويأتي عدم احترام قوانين “إيغاليم” هذه في صميم الاتهامات التي يوجهها المزارعون للسلطات. من الناحية النظرية، تهدف نصوص قوانين “إيغاليم” الثلاثة، الصادرة في 2018 و2021 و2023، إلى ضمان حصول المزارعين على جزء من دخلهم من خلال تحديد أسعار المواد الخام الزراعية أثناء المفاوضات التجارية بين الموزعين والموردين. بعبارة أخرى، عندما يرتفع سعر المواد الخام للمنتجين، يجب أن ترتفع أسعار البيع للتوزيع الشامل أيضا.
يوضح يولاند بيريس، الأستاذ الجامعي بجامعة جنوب بريتاني والمتخصص في استراتيجيات التوزيع بالجملة: “فكرة هذا القانون هي الحد من حرب الأسعار بين عمالقة التوزيع، والتي غالبا ما تكون على حساب المشغلين. لأننا يجب ألا ننسى أن الموزعين والمصنعين في منطق سوق تنافسي. لذلك فإن اهتمامهم الكامل هو البحث عن أقل الأسعار الممكنة”.
“من الناحية النظرية، يجب أن يسمح قانون “إيغاليم” أيضا للمزارعين بالحصول على وزن أكبر في المفاوضات التجارية”، يفسر المتخصص متابعًا. “لأن ميزان القوى هو دائما لصالح الموزعين في المفاوضات. يواجه المزارعون مجموعة من أربعة أو خمسة فقط من عمالقة التوزيع ذوي النفوذ الكبير الذين يحاولون الشراء بأقل الأسعار الممكنة. لذلك ليس لديهم في كثير من الأحيان خيار آخر سوى الاستسلام للضغوط التي يمارسها الموزعون. وإذا لم يوقعوا على عقود الشراء، فإنهم لا يبيعون إنتاجهم”.
اقرأ أيضاخمسة أرقام مفتاحية لفهم معاناة المزارعين الفرنسيين وأوضاعهم المالية الصعبة
لكن بعد ست سنوات من صدور قانون “إيغاليم” الأول، فإنه لم يوفر هذه الضمانة أو يثبتها بحسب النقابات الزراعية. “لقد ساهمت هذه القوانين في حماية دخل المزارعين”، كما يقول باتريك بي أوشن أوشيت، نائب رئيس الاتحاد الزراعي، أكبر نقابة زراعية، في حديث لصحيفة “لاكروا”. “لكننا لا نزال بعيدين عن الوصول إلى الهدف المبتغى. وغالبا ما تظل أسعار مبيعاتنا للمصنعين أقل من تكاليف الإنتاج”.
الملاحظة نفسها يرددها جوردي بوانشو، عضو نقابة المزارعين الشباب: “لاحظنا زيادة في أسعار البيع لدينا، ولكن في الوقت ذاته ارتفعت نفقاتنا – أسعار الطاقة والأسمدة وتكاليف الأجور… وإن كان مقدرا لقانون “إيغاليم” أن يطبق بالنص، فقد وجب أن نلاحظ زيادة تتناسب طرديا مع ارتفاع النفقات. لكن في الواقع ليس هذا هو الحال”.
في الأسابيع الأخيرة، ظهرت حالة توضح المشاكل المتعلقة بقوانين “إيغاليم”. في يناير/كانون الثاني 2024، اختارت شركة لاكتاليس العملاقة للأغذية تطبيق نفس تعريفة الشراء للحليب كما كان الحال في عام 2023 – 405 يورو لكل ألف لتر – دون أدنى مراعاة للزيادة في تكاليف الإنتاج. فدخل منتجو الألبان في مواجهة معهم، واستمر الوضع عدة أسابيع من الاحتجاجات.
مراكز شراء أوروبية لخفض فاتورة النفقات
إذا كان هذا القانون يكافح من أجل ضمان دخل جيد للمزارعين، فإنه مع ذلك “معقد وصعب التنفيذ”، يوضح يولاند بيريس.
كما أن مراكز الشراء الأوروبية – المنظمات التي تهدف إلى التفاوض على أسعار نفس المنتجات الغذائية وغير الغذائية للعديد من الموزعين – متهمة بانتظام بالتحايل على اللوائح لخفض الأسعار. في عام 2016، أطلقت لوكلير، العلامة التجارية الفرنسية، مركز الشراء “يوريليك”، بالاشتراك مع ريوي الألمانية، مقره في بروكسل. من جانبها، انضمت “سيستم يو” إلى إيديكا الألمانية و”بكنيك” الهولندية لتكوين مركز الشراء “إيفرست”، ومقره في هولندا. وأنشأت كارفور “يوريكا” في إسبانيا من أجل خدمة جميع فروعها الأوروبية.
من المفترض أن تحترم كل مراكز الشراء هذه قوانين “إيغاليم” لمنتجاتها المخصصة للسوق الفرنسية. ولكن، من الناحية العملية، “اتضح أن الموزعين الذين يعتمدون على مراكز الشراء هذه لا يطبقون القانون”، حسب تقرير مجلس الشيوخ حول هذا الموضوع الذي نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إلى جانب الصناعيين والموزعين، توجه أصابع الاتهام أيضا إلى الجاني الأكبر في سباق الأسعار المنخفضة هذا ألا وهو التضخم.
مدفوعة بشكل خاص بالحرب في أوكرانيا، قفزت أسعار المواد الغذائية بنحو 20 بالمئة في المتوسط في غضون عامين. ولعدة أشهر، دعت حكومة إيمانويل ماكرون إلى إبقاء الأسعار منخفضة قدر الإمكان للحفاظ على القوة الشرائية للفرنسيين.
“قبل عام، كان لا يزال يطلب منا إطلاق صندوق لمكافحة التضخم. تتمثل مهمة التاجر في وضع المنتجات التي يرغب الفرنسيون في شرائها على رفوف المحال التجارية. فهم يريدون منتجات فرنسية، ولكن بنفس سعر المنتجات المستوردة “، كما يقول ممثل علامة توزيع مشهورة، أصر على عدم الكشف عن هويته، لصحيفة “لوموند”.
إطلاق عملية البحث عن العقوبات
في مواجهة الحركة الاحتجاجية للمزارعين، تضع الحكومة الفرنسية نفسها على جبهة الضغط على الموزعين والصناعيين. يوم الجمعة الماضية، اتهم رئيس الوزراء غابرييل أتال ثلاث شركات دون تسميتها بانتهاك قوانين “إيغاليم”، ووعد بمعاقبتها بشدة.
وأعلن وزير الاقتصاد برونو لومير الأربعاء أنه سيعزز الضوابط على مراكز الشراء الأوروبية ومضاعفة تلك الموجودة على الموزعين، من أجل تطبيق قانون “إيغاليم” بشكل أفضل. “لا أريد أن يكون دخل المزارعين خاضعا للتغير والتكيف مع المفاوضات التجارية”، يؤكد الوزير في مقابلة لمحطة تلفاز “سي نيوز” وإذاعة “أوروبا 1″. وقال:” أنا هنا من أجل التحقق، وفرض عقوبات إذا أظهرت الضوابط أنه كان هناك بالفعل انتهاك”، مشيرا إلى أنه “في حالة عدم الامتثال لقانون إيغاليم”، “سيتم فرض عقوبات شديدة على الشركات، تصل إلى 2 بالمئة من قيمة ما تحققه من مبيعات”. تهديدات من المفترض أن تؤثر على المفاوضات التجارية بين المصنعين والتجار، والتي كان يجب أن تنتهي أمس الخميس.