لماذا تُكثف روسيا حضورها في المشهد السياسي الليبي؟


أثيرت تساؤلات، أخيراً، بشأن الحضور الروسي في المشهد السياسي الليبي، والانفتاح على الأطراف الليبية كافة، وذلك عقب زيارة رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، محمد تكالة، موسكو ولقائه عدداً من المسؤولين هناك، وكذا لقاء نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف مع قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، في بنغازي.

وبينما يرى مراقبون أن «اهتمام روسيا بليبيا يأتي في إطار تعزيز دور موسكو في القارة الأفريقية على الأصعدة كافة»، أوضح سياسيون أن موسكو قد تسعى لتحقيق «توازن بين قوى الشرق والغرب الليبي لحلحلة الأزمة السياسية في البلاد». لكنهم تخوفوا من أن يؤدي توسع النفوذ الروسي في ليبيا إلى «مزيد من الجمود بالمسار السياسي في ظل تعمق الصراع بين موسكو وواشنطن».

الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، جلال حرشاوي، رأى أن روسيا «لم تضيع الوقت كثيراً، وسارعت لتوسيع نفوذها في ليبيا بالاستفادة من الفراغ، الذي خلفه انشغال واشنطن بمجريات الصراع في الشرق الأوسط، وتداعيات ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، وهو ما يضع واشنطن في موقف صعب للغاية». إلا أن حرشاوي أشار لـ«الشرق الأوسط» إلى عوامل أخرى دفعت موسكو لتوسيع نفوذها في ليبيا في هذا التوقيت الراهن، وفي مقدمتها «استشعار عدم خسارة الصراع في أوكرانيا مقارنة بما كان عليه قبل شهور ماضية، وزيادة قدرتها على إدارة ملفات متعددة في توقيت واحد».

لقاء يفكوروف وحفتر في بنغازي (الجيش الليبي)

في حين شكّك عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، عادل كرموس، في إمكانية أن تكون زيارة تكالة لموسكو قد «نجحت في إحداث تحول بموقف الأخيرة، وأن يمهد ذلك لاتخاذها موقفاً محايداً بالساحة الليبية، أو على الأقل غير منحاز لطرف ما دون غيره كما هي الحال في علاقاتها الراهنة مع حفتر».

وقال كرموس، لـ«الشرق الأوسط»، إن روسيا «دعمت تقدم قوات حفتر نحو العاصمة خلال عامي 2019 و2020، وهناك استمرار للتنسيق العسكري معه حتى اللحظة الراهنة، وهو ما رصد في زيارات ثلاث متتالية قام بها نائب وزير الدفاع الروسي لبنغازي منذ أغسطس (آب) الماضي، فضلاً عن مراسم الاستقبال الرسمي، التي أُجريت لحفتر خلال زيارته لروسيا في سبتمبر (أيلول) الماضي».

ويرى كرموس أن كل هذه المؤشرات «لا تدل فقط على صعوبة تغيير قناعات وتحالفات الروس، بل أيضاً لتوقع رفض قوى الغرب الليبي السياسية والعسكرية أي عرض للوساطة يقدم من قبلهم لحلحلة الأزمة السياسية بالبلاد»، معرباً عن تخوفه من أن يؤدي توسع النفوذ الروسي في ليبيا إلى «مزيد من الجمود بالمسار السياسي، في ظل تعمق الصراع بين موسكو وواشنطن حول ملفات أخرى بالمنطقة وخارجها».

تكالة ونائب وزير الخارجية الروسي خلال لقاء في موسكو (المجلس الأعلى للدولة بليبيا)

في السياق ذاته، ألقى عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، باللوم على السياسات الأميركية في استدعاء الروس لبلاده والقارة الأفريقية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «واشنطن انحازت بشكل مُبكر خلال السنوات الأولى لثورة فبراير (شباط) لقوى تيار الإسلام السياسي في ليبيا، التي تتركز بالمنطقة الغربية، ولم تترك لخصوم هؤلاء مفراً سوى اللجوء للروس، وهذا ما فعله حفتر مضطراً في نهاية المطاف».

ويذهب التكبالي إلى أن زيارة تكالة، التي يشير البعض إلى أنها تمت بتنسيق مع رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، وإن «لم تسفر عن تحول جذري بالموقف الروسي بالتخلي عن حفتر بشكل كامل، فإنها قد تثمر تدريجياً نشأة علاقات جيدة مع الروس»، موضحاً أن «روسيا دولة كبيرة تبحث عن مصالحها، وإذا تم دعم العلاقات بينها وبين قوى المنطقة الغربية في ليبيا بشراكات تعاون اقتصادي، وهو ما لمّح له تكالة خلال زيارته لموسكو، فربما تتغير رؤية الأخيرة تدريجياً حيال تلك القوى، وتتسم بدرجة من الاعتدال».

إلا أن التكبالي أشار إلى أن «هذا الانفتاح من قبل موسكو على جميع الأفرقاء بالساحة، أي حفتر شرقاً وقيادات طرابلس غرباً، فضلاً عن تمتعها بثقة أنصار النظام السابق، سيصعب أكثر وأكثر محاولة إزاحتها من أي طاولة، أو اتفاق دولي، يتم بشأن ليبيا، لتستمر خلافاتها مع واشنطن حيال ملف الأزمة».

من جانبه، استبعد الأكاديمي والمحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، وجود أي انزعاج لبلاده، التي تعد الحليف الأوثق لقوى المنطقة الغربية السياسية والعسكرية، من زيارة تكالة لموسكو، أو مما يتردد عن زيارة سيقوم بها الدبيبة للعاصمة ذاتها أوائل العام المقبل، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة «تتفهم وجود علاقات ومصالح تربط الدولة الليبية مع روسيا».

ويرى حافظ أن «زيارات قيادات غرب ليبيا لموسكو تندرج في إطار التعرف على تفكير صانع القرار الروسي خلال الفترة المقبلة، أكثر مما تندرج في العمل على تحييد الدور الروسي أو استقطابه».



المصدر


اكتشاف المزيد من صحيفة دي إي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

صالح علي

كاتب ومحرر صحفي

خمس طرق يمكن من خلالها تنظيم الذكاء الاصطناعي

فنزويلا تحذر شركات النفط العاملة على رف إيسيكويبو وتمنحها 3 أشهر للتوقف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *