موسكو مستعدة لـ«عملية سياسية تحقق أهدافها» وتحذر من «صدام مع الأطلسي»
زادت السجالات الغربية حول المساعدات العسكرية والمالية الموعودة لأوكرانيا مستوى التوقعات الروسية بشأن ما وصف بأنه «اتساع الشرخ داخل المعسكر الغربي» وفقا لتعليقات وسائل إعلام حكومية روسية.
وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن التزام بلاده بمواصلة دعم أوكرانيا، وهو الأمر الذي كرره عدد من القادة الأوروبيين خلال الأسابيع الأخيرة، لكن مواقف موسكو التي تراقب التطورات حول هذا الموضوع، بدت أقرب إلى قناعة بأن حجم ونوعية الإمدادات الغربية سوف يشهدان تقليصا كبيرا خلال المرحلة المقبلة.
وهو أمر برز من خلال اتساع التباينات داخل أوروبا حول ملف المساعدات، كما تم التطرق إليه أخيرا، خلال مناقشة موازنة الاتحاد الأوروبي وتأكيد عدد من المسؤولين الأوروبيين احتمال عدم الوفاء بتقديم 50 مليار دولار، وهو المبلغ الموعود لأوكرانيا خلال السنوات الأربع المقبلة.
أيضا جاءت في هذا الإطار، مماطلة الكونغرس الأميركي بتلبية طلب إدارة بايدن حول تخصيص 61 مليار دولار لأوكرانيا، لتزيد من التكهنات حول الموضوع، وسط إشارات بأن واشنطن قد تكون غير قادرة على تلبية طلبات كييف قبل نهاية العام الحالي.
ونقلت وسائل إعلام أن البيت الأبيض أقر بأن «نقص الدعم الأميركي سوف يجعل الحلفاء يشككون في ضرورة مواصلة دعم كييف». وخلال حديث مع الصحافيين الأربعاء، سئل الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، عن هذا الموضوع فأجاب بأن مسألة انخفاض المساعدات الغربية لأوكرانيا لم تنعكس على استعداد أوكرانيا للمفاوضات.
وقال إنه لا يرى رابطا حتى الآن بين ملف المساعدات وإمكان إطلاق عملية سياسية. وأضاف: «أكرر مرة أخرى أن أهم شيء بالنسبة إلينا هو تحقيق أهدافنا. بالطبع، من الأفضل تحقيق هذه الأهداف بطرق سياسية ودبلوماسية. وعندما يرفض الغرب والأوكرانيون هذه الطرق ففي هذه الحالة لا تزال العملية العسكرية الخاصة مستمرة». وأكد بيسكوف أن روسيا «تبقى مستعدة للمفاوضات بشأن أوكرانيا»، مذكرا بأن الرئيس فلاديمير بوتين «كرر مرات عدّة، أن الأمر الرئيسي هو تحقيق أهدافنا، ونفضل أن يتم ذلك عبر عملية سياسية».
وأشار بيسكوف إلى أن جولات المفاوضات التي انطلقت العام الماضي، توقفت بمبادرة من الجانب الأوكراني. وقال: «لقد اعترفوا بأنفسهم بأن ذلك تم بطلب من بريطانيا، لذلك فإن الوضع بالنسبة إلينا واضح تماما».
في غضون ذلك، قالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن روسيا لا ترى إشارات تدل على استعداد لندن للعب دور وساطة جادة. ورأت أن التسريبات الإعلامية البريطانية بشأن الاستعداد للضغط على كييف لبدء المفاوضات هي «مجرد محاولة لتقديم بريطانيا كصانع سلام».
وزادت بأن بلادها «تتعامل مع الأفعال وليس التسريبات الإعلامية (…) ما نراه على الأرض هو العكس، رزم عقوبات وحظر وممارسات لجميع أنواع الحيل لإثناء نظام كييف عن المفاوضات مع روسيا طوال هذه السنوات».
وكانت صحيفة «إكسبريس» البريطانية قد نشرت في وقت سابق أن دبلوماسيين بريطانيين تحدثوا عن استعداد «للضغط» على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإجباره على التفاوض مع روسيا.
وقال ديفيد أراخاميا رئيس كتلة حزب «خادم الشعب» في البرلمان الأوكراني والذي يتزعمه زيلينسكي، وكذلك عضو لجنة الأمن القومي والدفاع والاستخبارات، في وقت سابق، إن العمليات العسكرية في أوكرانيا كان من الممكن أن تنتهي ربيع عام 2022، بعد مفاوضات مع الجانب الروسي في إسطنبول، إلا أن السلطات الأوكرانية، بناء على دعوة رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون، لم توافق على مطلب إعلان حياد البلاد، وهو ما أدى إلى فشل جولات التفاوض.
على صعيد متصل، حذرت زاخاروفا، من أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) «يتورط بشكل متزايد في النزاع في أوكرانيا، وتتزايد مخاطر الصدام المباشر مع روسيا». وأشارت زاخاروفا إلى التقارير الغربية عن احتمال تسليم مقاتلات من طراز «إف-16»، إلى أوكرانيا. وزادت أنه برغم التقارير التي تتحدث عن خفض الإمدادات لكن دول الناتو «تواصل تسليح أوكرانيا بشكل مكثف. والخطوة التالية، هي تزويد القوات الأوكرانية بمقاتلات تكتيكية من هذا النوع. لقد تحدثوا عنها لفترة طويلة، وتم تشكيل تحالف من عدة دول لترسل هذه الطائرات إلى نظام كييف ولتقوم بتدريب الطيارين الأوكرانيين».
وزادت بأنه «مع الأخذ في الحسبان أنه تم تدمير قسم كبير من البنية التحتية للمطارات في أوكرانيا، فمن الممكن أن تتمركز هذه المقاتلات الأميركية خارج البلاد، في بولندا وسلوفاكيا ورومانيا. بهذا الشكل يزداد التورط أكثر فأكثر في الصراع الأوكراني، وفي الواقع، كما نفهم، يشن الناتو حربا هجينة ضد بلادنا تحت شعار إنقاذ أوكرانيا».
وقالت الدبلوماسية الروسية: «بالنسبة للجيش الروسي، تعد هذه الطائرات الحربية أسلحة للعدو عندما تشارك في القتال إلى جانب القوات الأوكرانية، بغض النظر عن المكان الذي تنطلق منه، وستكون من ضمن الأهداف المشروعة الواجب تدميرها».
إلى ذلك، أعلنت بريطانيا أنها تفرض بدءا من الأربعاء، عقوبات على الأفراد والكيانات الأجانب الذين يزودون روسيا بالمعدات والمكونات التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية. الحزمة الجديدة تطول 46 فردا وجماعة من دول مختلفة قالت إنهم متورطون في سلاسل الإمداد العسكرية لروسيا ويساعدون في استمرار غزوها لأوكرانيا. وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن من بين الخاضعين للعقوبات جهات تعمل في الصين وصربيا وأوزبكستان. وأضافت أن العقوبات تستهدف أيضا شركات في روسيا البيضاء وتركيا والإمارات تواصل دعم الغزو الروسي غير القانوني لأوكرانيا.
وقالت الخارجية البريطانية في بيان لها: «ستفرض المملكة المتحدة يوم الأربعاء عقوبات على الموردين العسكريين الذين يدعمون آلة الحرب لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، وسيكون الموردون الأجانب الذين يصدرون المعدات والمكونات إلى روسيا من بين عشرات الأفراد والجماعات التي ستواجه عقوبات، بهدف حرمان بوتين من الموارد التي يحتاج إليها في الحرب» في أوكرانيا.
وجاء هذا البيان عشية الزيارة التي ينطلق فيها وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون الأربعاء لواشنطن، حيث سيجري محادثات مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن وأعضاء في الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وفي هذه الاجتماعات، يعتزم كاميرون التأكيد على «دعم بريطانيا الثابت» لأوكرانيا بينما يشهد الكونغرس مناقشات حول مدى صواب تقديم مزيد من المساعدة لكييف.
وأدرجت لندن منذ بداية الحرب الأوكرانية حوالي 1800 فرد وكيان روسي على قائمتها السوداء وجمدت أصولهم التي تزيد قيمتها على 18 مليار جنيه إسترليني (23 مليار دولار). اللافت أن الرزمة الجديدة من العقوبات قد تطول شركات أوروبية اتهمت بأنها سهلت وصول معدات عسكرية إلى روسيا.
وتحقق الجمارك الفنلندية في قضية جنائية تتعلق بما سمته «احتمال توريد سلع مختلفة خاضعة للعقوبات الأوروبية بشكل غير قانوني إلى روسيا» في صفقة بلغت قيمتها أكثر من مليوني يورو.
وأعلنت هيئة الجمارك أنه تم إجراء تحقيق مع شركتين فنلنديتين قامتا بتوريد إلكترونيات وطائرات مسيرة ومعدات تصنف على أنها دفاعية إلى دول ثالثة، لكنها كانت تمر عبر روسيا. وقال مسؤولو الجمارك إنه «تم تسليم البضائع فعليا داخل الأراضي الروسية». ووفقا للهيئة الفنلندية فإن الاشتباه يحوم حول وصول ما يقرب من 3500 طائرة مسيرة إلى روسيا، فيما تم تخليص هذه البضائع لتصديرها إلى دولة أخرى، وبلغت تكلفة الطائرات المسيرة أكثر من مليوني يورو، ووفقا لإدارة الجمارك، فقد قامت الشركتان الفنلنديتان بإجراء أكثر من 30 معاملة تصدير لتوريد البضائع الخاضعة للعقوبات والعابرة من خلال الأراضي الروسية.
وقد أجرت السلطات الفنلندية تحقيقا دوليا مكثفا بالاشتراك مع السلطات الهولندية والبريطانية والأميركية إضافة إلى «اليوروبول».
اكتشاف المزيد من صحيفة دي إي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.