كيف تمكن المهندس من تصميم مباني لا تحتاج إلى تكييف هواء بدرجة حرارة 40 درجة مئوية؟


ترتبط البيوت الطينية في مخيلتنا بالفقر والعصور القديمة، لكن قصته في بوركينا فاسو لها أثر آخر. تم بناء البيت الطيني كهدية قدمها المهندس المعماري “ديبيدو فرانسي كيري” إلى قرية غاندو الصغيرة، مسقط رأسه، في بوركينا فاسو بغرب أفريقيا.

بيت طيني لحماية الأطفال

عاش كيري في قريته الفقيرة، ودرس في فصول دراسية مزدحمة ومظلمة وخانقة، في بلد ترتفع فيه درجة حرارة الطقس صيفا، مصحوبة بالرطوبة الشديدة، مما يجعل التركيز على شرح المعلم معجزة.

وأظهر كيري الاجتهاد والذكاء. دفع جيرانه لتقديم الدعم المالي لإكمال تعليمه، حتى حصل على منحة دراسية من الجامعة التقنية في ألمانيا، وهناك خطرت له فكرة يمكن أن توفر آلاف الدولارات وتنقذ آلاف الأرواح في بلاده.

عاد كيري إلى غاندو بخطة لبناء مدرسة من الطين، دون الأسمنت الذي اعتادت عليه قريته، والزجاج الذي شاهده في مباني برلين.

ولم تتوقف أحلام كيري عند مزايا استخدام المواد المحلية المتوفرة بسعر رخيص. بل تجاوزت أهدافه حاجز البناء، وكان يأمل في توفير مكان يوفر أجواء باردة للأطفال عندما تتجاوز درجة الحرارة 40 درجة مئوية.

اجتمع رجال ونساء القرية معًا لبناء المدرسة. لقد خلطوا الماء مع التربة، واستبدلوا العوارض الخرسانية بحجر الأبنوس الأحمر، وبنوا جدرانًا قوية جدًا.

وتجسدت براعة التصميم في جدران عالية جداً، يعلوها سقف رفيع، مصنوع من شرائح معدنية، للحماية من المطر وأشعة الشمس، مع فتحات تفصل السقف عن الجدران، يخرج من خلالها الهواء الساخن، ويحل محله الهواء البارد. الهواء الذي يدخل من خلال الأبواب.

وتناولت صحيفة الغارديان تجربة الأطفال في مدرسة قرية جاندو، وردود أفعال الأهالي، الذين اتبعوا نموذج “كيري” في مزج التصاميم المعاصرة مع المواد المحلية، وقرروا بناء مجمع المدارس ودور الأيتام بالطين والطين. الحجر الأحمر وسط فرحة الأطفال الذين تحميهم المدارس في الأيام الحارة. لدرجة أنهم لم يعودوا يريدون العودة إلى منازلهم.

ولم تتوقف أفكار كيري عند حدود قريته، بل تنتقل حاليا عبر بوركينا فاسو، إلى بنين، وكينيا، من أجل توفير مباني آمنة للأطفال في الصيف، ومساحات للعب، وطاقة نظيفة، بفضل استخدام الطاقة المتجددة. الألواح الشمسية في تصاميم المدارس.

أكثر من مجرد مبنى

حصل كيري على جائزة كريستال للتغيير الاجتماعي لعام 2024 من المنتدى الاقتصادي العالمي، وكان أول شخص أسود وأفريقي يفوز بجائزة بريتزكر المرموقة للهندسة المعمارية لعام 2024.

وفي حواره مع مجلة “تايم” الأميركية، بمناسبة تكريمه كأحد أهم 100 شخصية في عام 2023، أكد كيري إصراره على تقليل استهلاك الطاقة في مشاريعه، بالإضافة إلى أقل قدر من الآثار الضارة على الطاقة. بيئته. ولذلك لم يلجأ إلى استخدام أي مواد تتطلب النقل بالشاحنات.

لم تكن هذه الامتيازات ترفاً، في بلد احتل بنك التنمية الأفريقي المرتبة 184 من أصل 191 في مؤشر التنمية البشرية، لعام 2021، ولا تصل الكهرباء إلا إلى 22.5% من سكانه، وانتشرت الأخبار أن أطفاله يعانون من التقزم نتيجة لارتفاع درجات الحرارة.

وتكمن أهمية أفكار كيري في المخاطر التي يواجهها أطفال بوركينا فاسو كل صيف. ولاحظ باحثون من معهد غرانثام لأبحاث التغير المناخي والبيئة بكلية لندن، في دراستهم لتأثير الطقس الحار على أطفال بوركينا فاسو، ارتفاعا مطردا في الوفيات بين الأطفال، بنسبة 0.09%. وتوقعوا أن ترتفع النسبة إلى 8.6% بحلول عام 2050، وإلى 10.8% بحلول عام 2070، إذا اجتمع العالم لوقف انبعاثات الكربون، بينما – في ظل سيناريو الاحتباس الحراري شبه الكارثي الذي نعيشه – من المتوقع أن سيرتفع معدل وفيات الأطفال بنسبة 11.6% و14.6% بحلول عام 2050.2070 على التوالي.

وأشار الباحثون إلى أن ثراء الأسرة وقدرتها على الحصول على الكهرباء واستخدامهم للمكيفات والمراوح تبعا لذلك، كان عاملا مهما في الحد من الآثار السلبية لارتفاع درجات الحرارة خلال أشهر الصيف في بوركينا فاسو. في بلد تتجاوز درجة حرارته 35 درجة مئوية شتاءً، وصيفه يتجاوز حاجز الأربعين، وتصل نسبة الرطوبة فيه إلى 80%، يصبح المكيف والمروحة مسألة حياة أو موت.

يعيش على حافة حفرة

إن التحسينات التي أجرتها الأمم المتحدة لحماية حياة أطفال بوركينا فاسو خلال العقد الماضي على وشك الضياع بسبب تغير المناخ. وفي عام 2022، أجرى الباحثون في جامعة كورنيل مسوحات صحية لأكثر من 32 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 3 أشهر و3 سنوات. وفي بوركينا فاسو، وساحل العاج، وغانا، وتوغو، بين عامي 1993 و2014، أظهرت النتائج أن 14% من الأطفال عانوا من سوء التغذية، كما أصيب 31% منهم بتراجع في النمو.

على مدار 11 عامًا، اكتشف الباحثون وجود صلة بين ارتفاع درجات حرارة الطقس ومشاكل النمو لدى الأطفال. وأشاروا إلى أن الطفل يصاب بالتقزم بمعدل 5.9% لكل 100 ساعة تعرض شهريا لدرجات حرارة أعلى من 35 درجة مئوية، أي ما يعادل 12 يوما في الصيف. بينما يعاني من سوء التغذية المؤدي إلى مرض الهزال، إذا تعرض لدرجات حرارة أعلى من 30 درجة مئوية، لمدة 14 يوماً غير متتالية، خلال 90 يوماً.

كما حذر الباحثون في تقريرهم من سيناريو ارتفاع متوسط ​​درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين فقط، خوفا من زيادة معدل انتشار التقزم بنسبة 7.4% بين كل من يتعرض لتلك الحرارة في مرحلة الطفولة المبكرة، بحيث يصبح مجتمع بأكمله معرضا لتلك الحرارة في مرحلة الطفولة المبكرة. سيضطر جيل إلى التعايش مع أزمة صحية لن يمحو الزمن آثارها، سوى زيادة احتمالية تعرضها لها. ويزيد خطر الوفاة نتيجة الإجهاد الحراري بنحو 15 مرة، بحسب دراسة نشرها مكتب الأرصاد الجوية البريطاني عام 2021.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *