دخل قانون الأمن القومي الجديد في هونغ كونغ حيّز التنفيذ، اليوم (السبت)، وينصّ على عقوبات سجن مدى الحياة في حال ارتكاب جرائم مثل الخيانة والعصيان.
ويستكمل النص الجديد قانون الأمن القومي الذي فرضته بكين عام 2020 بعد المظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدينة في 2019 للمطالبة بالديمقراطية.
ويتضمن القانون الذي أقره المجلس التشريعي 5 فئات من المخالفات، إضافة إلى تلك التي نص عليها قانون 2020، هي الخيانة والتمرد والتجسس وسرقة أسرار الدولة والتخريب الذي يعرّض الأمن القومي للخطر والفتنة و«التدخل الخارجي».
وأقره، الثلاثاء، بالإجماع المجلس التشريعي الذي لا يضم ممثلين للمعارضة.
وعبّرت بلدان غربية عدّة، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، عن قلقها من تداعيات القانون الجديد.
والجمعة، أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن «قلق بالغ» إزاء استخدام هذا القانون للمساس بالحقوق وإسكات الأصوات المعارضة، معتبراً أن من شأن هذا التشريع الجديد أن يضرّ بسمعة هونغ كونغ التي تعدّ مركزاً مالياً دولياً كبيراً.
وكان رئيس السلطة التنفيذية في هونغ كونغ جون لي قد وصف اعتماد النصّ بـ«اللحظة التاريخية».
ويرى هذا المسؤول السابق عن الشرطة أن هذا التشريع الجديد كان لا بدّ منه لسدّ الثغرات التي خلّفها قانون 2020، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وأشار مراراً إلى أن إقرار النص كان «مسؤولية دستورية» مترتبة على هونغ كونغ بموجب «القانون الأساسي» المطبق على أنه دستور في المنطقة الإدارية الخاصة الصينية منذ أن أعادتها بريطانيا إلى الصين عام 1997.
وقال، الثلاثاء، إن القانون «سيسمح لهونغ كونغ بأن تمنع وتحظر وتعاقب بشكل فعّال نشاطات التجسس والتآمر والأفخاخ التي تنصبها أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وأعمال التوغل والتخريب التي تقوم بها قوى معادية».
كما سيسمح بـ«منع العنف… والثورات الملوّنة بصورة فعالة»، بحسب ما قال جون لي في إشارة إلى المظاهرات الحاشدة التي عمّت هونغ كونغ في 2019 للمطالبة باستقلال أكبر عن بكين.
وقُمعت تلك الاحتجاجات بشكل عنيف، وفرضت بكين في 2020 قانوناً للأمن القومي يستهدف محاولات الانفصال والتخريب والإرهاب والتواطؤ مع القوى الخارجية.
وأوقف حتى الآن نحو 300 شخص في هونغ كونغ بموجب قانون الأمن القومي لعام 2020، وسجن عشرات المسؤولين السياسيين والناشطين والشخصيات العامة أو أرغموا على الانتقال إلى المنفى.
توسيع الصلاحيات
وينص القانون على عقوبات تصل إلى السجن مدى الحياة لجرائم التخريب التي تعرّض الأمن القومي للخطر والخيانة والتمرد، و20 عاماً لجرائم التجسس والتخريب، و14 عاماً لجرائم «التدخل الخارجي».
كما يوسّع القانون تعريف جريمة «الفتنة» التي تعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني، لتضمينها التحريض على الكراهية ضد القادة الشيوعيين الصينيين، وينص بشأنها على عقوبة مشددة تصل إلى السجن 10 سنوات.
وعند إعادة هونغ كونغ إلى الصين عام 1997، تم الاتفاق على منحها حريات واستقلالاً قانونياً وتشريعياً لمدة 50 عاماً، عملاً بمبدأ «بلد واحد ونظامان».
وسمح الاتفاق بتعزيز موقع هونغ كونغ مركزاً مالياً عالمياً بفضل نظام قضائي موثوق وحريات سياسية تميزها عن الصين القارية.
غير أن القانون الجديد يلغي قسماً كبيراً من الضمانات القانونية التي كانت هونغ كونغ تحظى بها لإخضاعها للقوانين ذاتها السارية في الصين القارية.
وبات رئيس السلطة التنفيذية في هونغ كونغ مخولاً استنباط مفاهيم لجرائم جديدة قد يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات.
وعلى غرار ما نص عليه قانون 2020، فإن بعض الجرائم التي ترتكب خارج هونغ كونغ تدخل ضمن صلاحيات المدينة.
وفي وسع وزير الأمن فرض تدابير عقابية على الناشطين الموجودين في الخارج، بما في ذلك إلغاء جواز السفر. ووسّعت أيضاً صلاحيات الشرطة للسماح لها بإبقاء الموقوفين لمدّة تصل إلى 16 يوماً في الحجز الاحتياطي من دون توجيه تهم إليهم، في مقابل 48 ساعة حالياً، فضلاً عن الحؤول دون اجتماع المشتبه بهم بمحامين والتواصل مع أشخاص آخرين.
«لا ديمقراطية ولا حرية»
وحدّثت بريطانيا وأستراليا، أمس (الجمعة)، توجيهات السفر لتحذير المسافرين من خطر انتهاك القانون الجديد عند زيارتهم هونغ كونغ.
وشارك العشرات في تجمّع نظم في تايبيه، بعد ظهر السبت، تنديداً بالقانون الجديد ورفع بعضهم لافتات وصفت القانون بالشرير، فضلاً عن صور لصحيفة «أبل ديلي» المؤيّدة للحركة الديمقراطية التي تمّ إغلاقها.
وقال ليوس لي، المستشار البلدي السابق في هونغ كونغ الذي بات مقيماً في تايوان: «لم يعد في هونغ كونغ ديمقراطية ولا حرية بعد اليوم».
وقالت فرنسيس هوي، الناشطة المقيمة في الولايات المتحدة: «الهدف من هذا القانون هو القضاء على آخر مساحة متبقية للحرية في هونغ كونغ، مع تمديد العقوبات وتوسيع تعريف الأمن القومي».
في لندن التي انتقلت إليها جالية كبيرة من هونغ كونغ بعد 2019، تجمّع نحو مائة متظاهر أمام مقر وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية، مطالبين بالحرية لهونغ كونغ.
وقال متظاهر ممن انتقلوا في عام 2019 إلى بريطانيا: «عندما يدنو صحافيون من سكان هونغ كونغ، فإن هؤلاء لا يكونون مستعدين حقاً للتعبير عن آرائهم بسبب الخوف وبسبب طبيعة المادة 23». وتابع: «في كل مرة نعود (إلى هونغ كونغ) يتعين علينا أن نكون أكثر حرصاً».
وشارك في التجمّع مواطنون صينيون بينهم «فرناندو» وهو طالب يبلغ (23 عاماً) متحدّر من منطقة قريبة من شنغهاي.
قال في تصريح، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بصفتي مواطناً صينياً، أريد أن تكون الصين ديمقراطية وأن يكون القانون سائداً فيها، لذا لدي دافع أخلاقي لدعمهم».
ولدى سؤاله عن مخاطر التعرّض للمراقبة قال: «أعتقد أنهم ينظرون، إنهم في كل مكان. ترى كثراً هنا يضعون الأقنعة والنظارات الشمسية، وأنا منهم».