مصير «باينانس» تحت المجهر بعد انتهاكات مرتبطة بغسل الأموال
يواجه موقع منصة «باينانس»، في قمة سوق العملات المشفرة، تحديات غير مسبوقة، حيث تعاني جرّاء العقوبة التاريخية التي فرضتها الولايات المتحدة على هذه البورصة التي تعدّ أكبر منصة في العالم لتداول «البتكوين» والعملات الرقمية البديلة، فضلاً عن فقدان مؤسسها.
وتثير التسوية، التي ستدفع بموجبها «باينانس» مبلغ 4.3 مليار دولار للسلطات الأميركية، تساؤلات حول مستقبل أكبر بورصة عملات مشفرة في العالم.
تحت قيادة تشانجبينغ تشاو، نمت منصة «باينانس» من لا شيء في عام 2017 إلى ما يقرب من 60 في المائة من السوق العالمية، قبل أقل من عام. لكن يوم الثلاثاء، أوضحت السلطات الأميركية كيف وصلت إلى ذلك: «تقديم الربح على الامتثال، وغض الطرف عن بعض أحلك أركان عالم الإنترنت». وشمل ذلك العمل بوصفها قناة لتدفق الأموال المرتبطة بإساءة معاملة الأطفال، والمخدرات، وتمويل الجماعات الإرهابية المحددة، وانتهاك العقوبات الأميركية على دول مثل إيران وروسيا، بحسب صحيفة «فاينانشيال تايمز».
وقالت وزارة العدل الأميركية إن منصة «باينانس» حققت رسوماً كبيرة من الأنشطة غير المشروعة التي تمر عبر البورصة منذ تأسيسها. وقد أتاحت المنصة نحو 900 مليون دولار من المعاملات بين المستخدمين الأميركيين والمستخدمين المقيمين عادة في إيران بين يناير (كانون الثاني) 2018 ومايو (أيار) من العام الماضي، وفقاً للوزارة.
وبموجب تسوية شاملة مع الحكومة الأميركية، تسمح لبورصة العملات المشفرة بمواصلة العمل، أقرّ تشاو و«باينانس»، بالذنب في تهم مكافحة غسل الأموال، وانتهاكات العقوبات الأميركية. وتراجعت على أثر ذلك أسعار العملات المشفرة، حيث أظهرت بيانات السوق أن المستثمرين سحبوا نحو 956 مليون دولار من بورصة «باينانس» خلال الساعات الـ24 الماضية، بعد استقالة رئيسها، تشانجبينغ تشاو، ومواجهته عقوبة السجن بعد اعترافه بالذنب، بحسب وكالة «رويترز» للأنباء.
وفي جزء من التسوية، وافق تشاو، على التنحي ودفع غرامة قدرها 50 مليون دولار، واعترف بأنه مذنب بالفشل في الحماية من غسل الأموال. وسيكون بديله، ريتشارد تينغ، الذي تمّت ترقيته إلى منصب الرئيس التنفيذي، مسؤولاً عن تنفيذ قائمة الشروط الصارمة التي وضعتها السلطات الأميركية. ويجب عليه أيضاً التعامل مع التهديد الذي تتعرض له الشركة من الدعوى القضائية المرفوعة من قبل لجنة الأوراق المالية، والبورصة مع الحفاظ على سعادة العملاء.
من هو ريتشارد تينغ؟
انضم تينغ، الرئيس التنفيذي السابق لهيئة تنظيم الخدمات المالية في أبوظبي، الذي عمل أيضاً منظماً ومديراً تنفيذياً للبورصة في سنغافورة، إلى «باينانس» في عام 2021. وقال أحد الأشخاص الذين عملوا معه إنه «تم إحضاره للمساعدة في ترتيب البيت الداخلي».
وفي الأشهر الأخيرة، ارتفعت شهرة تينغ العامة مع تراجع الثقة بتشاو، وظهر في أحداث الصناعة بوصفه ممثل الإدارة الرئيسي. ورغم أنه قد يرضي الجهات التنظيمية، فإنه سيتعين عليه إقناع العملاء بفكره التجاري. وقال شخص عمل مع تينغ: «حتى لو أراد طمأنة السوق بشأن امتثال (باينانس) لملفه الشخصي، فسيتعين عليه في الواقع إثبات قدرته على تحقيق الإيرادات».
أبقى تشاو إدارة «باينانس» اليومية في أيدي عدد قليل من المقربين. يقول الرئيس التنفيذي لشركة «آست ريالتي»، وهي شركة تدير الأصول المضبوطة لوكالات إنفاذ القانون، إيدان لاركين: «عندما نقول (باينانس)، فإننا نفكّر في تشاو». داخلياً في «باينانس»، أخبر عديد من الموظفين صحيفة «فاينانشيال تايمز» بأنهم لم يكونوا على علم بالطريقة التي تمت بها ترحيل تشاو.
وقال رئيس أحد صانعي سوق العملات المشفرة، الذي يتداول على منصة «باينانس»، إنه من دون تشاو «يمكن أن يكون هذا أفضل شيء للشركة نفسها»؛ لأنه «يجبرهم على النمو، وطرح أفكار جديدة، والمحاولة دون إشراف الأب».
إن اكتساب الاحترام في نظر السلطات الأميركية ستكون له تكلفة إضافية؛ لأنه يعني أن المنافسين الملتزمين بالقانون يمكن أن يكونوا أكثر قدرة على المنافسة. لذا، سيتعين على تينغ أن يتقلد منصباً تأثر بالكامل بشخصية مؤسسها.
اعتراض على قرار السفر
طلب المدعون الأميركيون من المحكمة، إلغاء قرارها بالسماح لتشاو بالسفر إلى منزله في الإمارات بعد إقراره بالذنب، هذا الأسبوع، في قضية جنائية.
وجاء الاعتراض بعد موافقة قاضٍ أميركي، يوم الثلاثاء، على طلب تشاو بالعودة إلى الإمارات قبل صدور الحكم الرسمي عليه في فبراير (شباط) المقبل، بعدما وافق على دفع كفالة قدرها 175 مليون دولار أميركي، مع تقديم ضمانة قيمتها 15 مليون دولار نقداً توضع في حساب ثقة، وضمان 3 أشخاص له ممن تعهدوا بتقديم حيازات أو أموال نقدية حال خرق شروط إطلاق سراحه.
وفي دعوى قضائية يوم الأربعاء، حثّ ممثلو الادعاء في وزارة العدل، المحكمةَ على إعادة النظر في القرار، قائلين إن هناك «خطراً كبيراً» من عدم عودة تشاو إلى الولايات المتحدة.
وقد يُسجن الرئيس التنفيذي السابق للشركة حتى 10 سنوات، لكن من المتوقع ألا يحصل على أكثر من 18 شهراً بموجب صفقة الإقرار بالذنب التي يبدو أنها أنقذته من العقوبات القاسية التي واجهها مجرمو العملات المشفرة البارزون الآخرون.
وقال خبراء قانونيون إنه بناءً على الحقائق المزعومة، من المحتمل أن يكون المدعون قد اتهموا تشاو بارتكاب جرائم أكثر خطورة تنطوي على أحكام أشد، لكن كان عليهم أن يوازنوا ذلك في مقابل احتمال بقائه في الخارج لتجنب القبض عليه. وقال دانييل سيلفا، الشريك في شركة «بوشالتر» للمحاماة والمدعي الفيدرالي السابق: «لا ينبغي الاستهزاء بإجبار الرئيس التنفيذي على الاعتراف بالذنب».
مستقبل غامض
أشار بعض المحللين إلى أنه من غير المرجح أن تنهي الصفقة المشكلات القانونية للبورصة في الولايات المتحدة، حيث تظل اتهامات هيئة الأوراق المالية والبورصة التي تزعم أن «باينانس» انتهكت قوانين الأوراق المالية الأميركية بلا حل.
وإذا فازت هيئة الأوراق المالية والبورصة بقضيتهما، فسيتعين على «باينانس» الاعتراف بأن العملات المشفرة المتداولة على منصتها هي أوراق مالية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد التكاليف التنظيمية بشكل حاد.
علاوة على ذلك، فإن الاتفاقيات التي أبرمتها «باينانس» مع السلطات الأميركية وضعت أيضاً متطلبات امتثال صارمة على مدى السنوات المقبلة. وتشمل هذه الخروج الكامل لـ«باينانس» من الولايات المتحدة، وتشديد برامج مكافحة غسل الأموال، والامتثال للعقوبات. وسيُطلب من الشركة أيضاً أن يكون لديها مراقب امتثال مستقل لمدة 3 و5 سنوات بموجب صفقات وزارتَي العدل والخزانة، على التوالي.
وقال المساهم في شركة «بوكانان إنجرسول آند روني» للمحاماة، مارك كورنفيلد: «عندما تكون في مرمى وزارة العدل، فإن التأثير على الشركة ومحاولة إنقاذ مستقبل الشركة يصبح مشكلة حقيقية».
وقال رئيس أحد صانعي سوق العملات المشفرة، الذي يستخدم البورصة: «لست قلقاً حقاً بشأن (باينانس). لقد رأى الجميع أن عقوبة وزارة العدل مقبلة. كنت أتوقع ما هو أسوأ من ذلك، كان بإمكانهم إضافة صفر إلى الصفقة، وكان بإمكانهم ملاحقة المديرين التنفيذيين جميعاً».
«التمويل» بالعملات المشفرة
يشار إلى أنه في وقت سابق من هذا الشهر، عززت إسرائيل والولايات المتحدة تتبع عمليات تمويل «حماس» عبر العملات المشفرة منذ بداية الحرب. وقال المكلف قضايا السياسة العالمية في شركة «تي آر إم لابس» المتخصصة في تتبع الأموال غير المشروعة في العملات المشفرة، آري ريدبورد، «إننا نشهد نشاطاً أقل بكثير منذ بداية الحرب، خصوصاً أن إسرائيل كانت عدوانية للغاية في جهودها للحد من جهود جمع التبرعات بالعملات المشفرة».
وقبل أسبوعين، قالت الشرطة الإسرائيلية إن إسرائيل قامت بـ«مراقبة وتجميد الحسابات التي تستخدمها (حماس) لطلب التبرعات على وسائل التواصل الاجتماعي» في «باينانس». وردّت «باينانس» بالقول إنها تطبق «قواعد العقوبات المعترف بها دولياً»، من خلال «حظر عدد صغير من الحسابات المرتبطة بأموال غير مشروعة».