«منتدى أصيلة» يناقش العلاقة بين المنجز الأدبي والفني
شكّل واقع وتمظهرات العلاقة بين الرواية العربية والفنون البصرية، وبالتالي بين الروائيين والتشكيليين والسينمائيين العرب، محور اليوم الثاني من ندوة «الرواية العربية والخطاب البصري» ضمن فعاليات «منتدى أصيلة» الـ44.
وأظهرت مداخلات ومناقشات المشاركين في ثالثة جلسات الندوة، التي ترأستها الروائية المصرية مي التلمساني، أهمية العلاقة على مستوى المنجز الأدبي والفني على حد سواء، مؤكدين إيجابيات انفتاح الكتابة الروائية على جماليات التشكيل والسينما.
وسعى معجب سعيد العداوني، الناقد والأستاذ الجامعي السعودي، إلى إلقاء الضوء على عملين روائيين عربيين، هما «مسرى يا رقيب» للروائية السعودية رجاء عالم، و«حبس قارة» للروائي المغربي سعيد بنسعيد العلوي، وذلك من زاوية علاقتهما بالخطاب التشكيلي.
وقال العدواني، في سياق تناوله رواية عالم: إن العتاقة في التعامل مع الكتابة لم تكن مجرد استلهام للبعد التراثي، من منطلق أن عمل الكاتبة السعودية يرتكز على جانب التعالق والارتباط مع الفن التشكيلي، من خلال نص مكتوب و10 لوحات فنية مرفقة، من توقيع شقيقتها، وكأن هذه اللوحات تأتي لكي تضيف للنص المكتوب أبعاداً أخرى، بشكل يجعل الجسر بين المكتوب والبصري هو الخطوة الأولى للعبور إلى جسر الحداثة، مضيفاً: «رأيت أن هذا العمل هو مزيج من الحداثة والعتاقة». كما تطرق إلى البعد الأسطوري في الرواية، وتوظيف مساحات البياض.
أما رواية العلوي، يضيف العدواني:، فقد وضعَت لها مسارين سرديين، الأول يشير إلى علاقة الرسام الفرنسي أوجين دولاكروا بالمغرب واللوحات التي استلهمها منه، والتي تقدم إشارات مهمة لترسيخ تاريخ هذه اللوحات داخل المغرب، كما أن لها معنى إنسانياً، بكونها مجالاً للحب والجمال بين المغاربة والفرنسيين.
وتناولت كاتيا غصن، الناقدة اللبنانية والأستاذة بجامعة باريس 8، موضوع «السينما كتيمة في الرواية العربية ومساءلة الحداثة الغربية»؛ بهدف الوقوف على الكيفية التي عبّرت بها الرواية العربية عن العلاقة بين الشرق والغرب من خلال تضمينها السينما كموضوع.
وركزت غصن، في ورقتها على أربع روايات، «سارة» للمصري عباس محمود العقاد، و«تصطفل ميرل ستريب» للبناني رشيد الضعيف، و«حرمة» لليمني علي المقري، و«كلب بلدي مدرب» للمصري محمد علاء الدين.
وقالت: إن «سارة» و«تصطفل ميرل ستريب» وإن تباعدا في المكان والزمان إلا أنهما يقدّما نظرة متشابهة للحداثة مستمدة من حركة النهضة. كما تحدثت عن أوجه مشتركة وتداخل على مستوى الحكي بين العملين. أما العملان الآخران فقد عبّرا عن موضوع النقلة الحضارية، لكن بتوجه مختلف، وبفكرة مغايرة عن التحولات الثقافية في العلاقة مع الغرب.
وعادت غصن لتاريخ السينما في العالم العربي، مشيرة إلى أن ظهورها ارتبط ببدايات النهضة العربية. وقالت: إن أكبر مثال على تداخل عوالم الرواية والسينما في العالم العربي، يتلخص في الروائي المصري نجيب محفوظ، فتحولت إلى السينما 28 من رواياته، كما كتب 29 سيناريو خصيصاً لها. واليوم، هناك روائيون عرب آخرون يكتبون السيناريو.
من جانبها، تناولت الناقدة المصرية أماني فؤاد بالتحليل العلاقة بين «الفن الروائي والفن المعماري»، وكيف أن لكل معمار فلسفة شخصية وحكايات وتاريخاً ممتداً للأماكن.
وقالت فؤاد: إن الرواية تستخدم تقنيات أحد الفنون لكنها تستخدم، في الوقت نفسه، هذه التقنيات في بنائها. وأضافت أن النص الروائي يتغذى بتلك التقنيات، ويبرزها في الوقت ذاته، لتصبح موضوعاً له وتقنية أيضاً. وخلصت إلى أن هذا الواقع يفرض مجموعة أسئلة، تهم الكيفية التي يتعامل بها النقد الأدبي، بالدراسة والتحليل، مع هذه السرديات التي تتداخل في بنيتها مجموعة من الفنون.
وتناولت فؤاد، في معرض تحليلها، ثلاث روايات: «الفتى المتيم والمعلم» للتركية أليف شافاك، و«عمتي زهاوي» للعراقي خضير فليح الزيدي، و«الجبل» للمصري فتحي غانم. وقالت: إنها روايات مشغولة بفن المعمار، وإنها عمدت في قراءة كل رواية إلى فن المعمار لكي تتعرف على الفترة أو نوعية المعمار الذي تتحدث عنه.
من جانبه، استعرض الناقد والأستاذ الجامعي المغربي، حسن بحراوي، جملة مفارقات مغربية، وحتى عربية، مفادها أن الكاتب لا يزور المعارض ولا يشاهد الأفلام إلا مصادفة، علاوة على أن معظم الرسامين والمصورين لا يقبِلون على قراءة الأدب إلا لماماً أو اضطراراً، وبالتالي تلاشي فرص الاستفادة بين الطرفين. فالكاتب كاتب والفنان فنان، وفي أحيان كثيرة لا صلة بينهما.
وتحدث بحراوي عن علاقة التشكيل والرواية، مشيراً إلى أن الأول تصويري سكوني وهادئ، والثانية تعبيرية متحركة محكومة بزمن ومكان، هما زمن ومكان السرد.
واستعاد بحراوي تاريخ الرواية والسينما في أوروبا، بشكل خاص، وقال إنهما اشتركا في نشر القيم ذاتها والتبشير بالأحلام والطموحات المشتركة نفسها. كما تحدث عن «تحطيم جدار الفرقة» بين الكتاب والتشكيليين في المغرب. وكما كان الحال في اليوم الأول للندوة، خصص المنظمون الجلسة الأخيرة، في ثاني أيام الندوة، التي ترأستها الروائية الفلسطينية ليانة بدر، لقراءات روائيين في نماذج من أعمالهم الروائية. ، قرأ المغربي مبارك ربيع من روايته «أحمر وأسود»، واللبنانية علوية صبح من روايتها «أن تعشق الحياة»، والتونسي حسونة المصباحي من روايته «ليلة حديقة الشتاء»، والسوداني – المصري طارق الطيب من روايتيه «بيت النخيل» و«أطوف عارياً».
هاني نقشبندي… في جلسة وفاء خاصة
وفي جلسة وفاء خاصة أقامها المنتدى وترأستها الروائية المصرية مي التلمساني، استعاد أصدقاء وباحثون مشاهد من حياة وأعمال الروائي والصحافي السعودي الراحل هاني نقشبندي.
وقال الناقد والأستاذ الجامعي السعودي معجب سعيد العداوني، خلال هذه الجلسة: إن نقشبندي ينتمي إلى نخبة من الشباب السعودي، الذين اشتغلوا على الدخول في عصر حداثة المجتمع العربي، على المستوى الإعلامي، ونجحوا في ذلك بسرعة وتميز. كما تحدث عن المجال الآخر الذي تميز وعمل فيه الراحل، والمتمثل في الكتابة الروائية، مشيراً إلى أن كتابة نقشبندي كانت مختلفة إلى حدٍ كبير عن أعمال كثيرة كُتبت في الوسط الثقافي السعودي، مشيراً إلى أن مكان الاختلاف يعود إلى أن الراحل ركز على المتلقي، ولم يتوجه إلى النخبة، سواء في كتاباته، فكانت كتابة الجملة الروائية أحد أبرز العوامل التي جعلت أعماله تصل إلى القراء لتكتسب قاعدة كبيرة من المتلقين، علاوة على قبول أعماله لدى كثير من النقاد العرب.
من جانبه، قال الباحث والناقد المغربي شرف الدين ماجدولين: إن نقشبندي كان جزءاً من موسم أصيلة الثقافي، ومن عمقه الإنساني ومن الإشعاع الثقافي الذي ينثره أينما حل وارتحل.
وتطرق ماجدولين إلى محطات محددة من تاريخ علاقته به، مركزاً على اتصال جمعهما حين كان الراحل بصدد الاشتغال على عمله الروائي «سلام». وقال: إن نقشبندي لم تكن لديه أحلام كثيرة أو ادعاءات في حقل الرواية، وإنه كان يتحدث عن عمله بتواضع شديد، مشيراً إلى أن من أهم المنجزات التي قام بها على مستوى عمله الروائي أنه أدخله إلى ثقافة بلاد الأندلس، حيت إنه كان شديد الاهتمام بها، وبتفاصيل تاريخها وعاداتها. وأضاف أن الراحل صار، بذلك، باحثاً مهماً في حقل دراسات الأندلس.
وقال الروائي المغربي مبارك ربيع: إن نقشبندي إذا ما اقتربت منه أو ابتعدت عنه، فإن ما يتبقى في ذهنك عنه هو أنه شخص يمكن أن يقال عنه شفاف، تقبل عليه فتجده وديعاً مبتسماً، فتلقاه كأنه كان معك على موعد، وكأنه لا ينتظر غيرك.
وأضاف ربيع: إن كل ذلك يعبر عن سمة من سمات نقشبندي الإنسانية والثقافية العميقة، وأضاف أنه كان الرجل الذي لم يغضب أحداً.
كما تحدث ربيع عن علاقة نقشبندي بموسم أصيلة، وكيف كان يتطوع في ورشاته تطوعاً واحتساباً لخدمة الثقافة العربية.
وبعد أن تحدث عن تجربته الرواية، أشار ربيع إلى أن الراحل كان يحب المغرب؛ ولذلك بحث في تراثه الأندلسي بمحبة، ولثقافته العربية وللأمجاد العربية.
من جهته، انطلق الروائي التونسي حسونة المصباحي، في استحضاره الصداقة التي جمعته بنقشبندي، من مقولة للشاعر الألماني ريلكه، مفادها أن الحياة تقول دائماً وفي الوقت نفسه نعم ولا؛ أما الموت فهو الإثبات الحقيقي لأنه لا يقول إلا نعم أمام الأبدية.
وقال المصباحي: إنه لم يكن يظن أن نقشبندي، الرجل الهادئ، الذي يحاور الحياة باسماً وسعيداً يمكن أن يغيب بتلك السرعة والكيفية.
أما الصحافي السعودي حسين الحربي، فقال: إن نقشبندي عاش 60 عاماً مثل بلبل نبيل تحلو الحياة بشدوه يتنقل وينقل معه إنسانيته وطيبته والحب والتسامح يجمع منافسيه قبل أصدقائه، وأضاف الحربي أن قراءات نقشبندي المكثفة في علم الاجتماع وسيكولوجية الحياة وظّفها في منجزه السردي؛ فكتب ذات يوم في مقدمة إحدى رواياته: «كثيراً ما كنت أشعر أن الحياة تكرّر نفسها دون إرادة منا. أتخيل الله يهبنا الفرصة لإعادة اكتشاف أنفسنا، والتخلص من خطايانا لنصبح أكثر نقاءً وقرباً منه».