في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل حربها على قطاع غزة للشهر الرابع على التوالي، أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الجمعة، اتصالات مع نظيريه المصري والقطري، أكد خلالها ضرورة التوصل لاتفاق بشأن صفقة مرتقبة لإطلاق سراح «الأسرى» لدى حركة «حماس»، في خطوة قلل مراقبون من إمكانية أن تسهم في حلحلة ملف «الوساطة»، ورهنوا نجاح أي جهود في هذا المجال بالنص على «وقف كامل لإطلاق النار».
وتواجه «الوساطة» الأميركية – المصرية – القطرية «تعثراً» في الآونة الأخيرة بسبب تباين المواقف بين الحكومة الإسرائيلية وحركة «حماس»، حيث تطالب تل أبيب بإطلاق سراح كل «الرهائن» المحتجزين في غزة، دون وقف كامل لإطلاق النار، الأمر الذي ترفضه «حماس».
وأجرى الرئيس الأميركي، مساء الجمعة، اتصالاً ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي أكّدا خلاله، «الموقف الثابت للبلدين برفض أية محاولات لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، مع التوافق على حل الدولتين بوصفه أساس دعم الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق إفادة رسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية المستشار أحمد فهمي.
وقال المتحدث الرئاسي المصري إن «الرئيسين ناقشا تطورات الجهود الجارية للتوصل لوقف إطلاق نار إنساني، بهدف حماية المدنيين، وتبادل المحتجزين والرهائن والأسرى، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، بما يدفع في اتجاه خفض التوتر وإنهاء الأوضاع الراهنة».
«الجهود الفائقة»
واستعرض السيسي، خلال الاتصال، «مبادرات وجهود بلاده للتواصل مع الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار». وأشار الرئيس المصري إلى ما وصفه بـ«الجهود الفائقة» على مدار الشهور الماضية لإدخال المساعدات الإنسانية لغزة، وما تقابله تلك العملية من «تحديات وصعوبات يجب تذليلها»، وفق الإفادة الرسمية.
وشدد السيسي على أن «مصر ستستمر في جهودها لتقديم الدعم لأهالي قطاع غزة لتخفيف وطأة المأساة الإنسانية عليهم»، مؤكداً «ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه تحقيق تلك الأهداف».
وبدوره، أشاد الرئيس الأميركي بما وصفه بـ«الدور المحوري الذي تقوم به مصر، وجهودها الإيجابية على جميع المسارات ذات الصلة بالأزمة الحالية». وأكد، وفق إفادة المتحدث الرئاسي المصري، «تقدير واشنطن مواقف القاهرة الداعمة للاستقرار في المنطقة، ودعمها جهودها الدؤوبة لإنفاذ المساعدات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة».
وبحث السيسي وبايدن «تكثيف الجهود لزيادة إرسال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى جميع أنحاء قطاع غزة، واتفقا على مواصلة التنسيق الوثيق بينهما بشأن المساعدات الإنسانية، وفق إفادة رسمية من البيت الأبيض.
وفي اتصال آخر تحدث بايدن، الجمعة، مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث أكد الزعيمان أن «إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حركة (حماس) يعد أمراً أساسياً لتحقيق هدنة إنسانية طويلة الأمد، وضمان وصول المساعدات الإنسانية الإضافية المنقذة للحياة إلى المدنيين في جميع أنحاء غزة»، وفق إفادة رسمية للبيت الأبيض.
وتعليقاً على الاتصال قال مايكل باتريك مولروي، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي السابق، وهو ضابط متقاعد عمل بوكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه (CIA)»: «إن الولايات المتحدة ومصر شريكان استراتيجيان رئيسيان، ومن المرجح أن الرئيسين، السيسي وبايدن، أكدا ذلك مجدداً خلال الاتصال».
دور حيوي وحاسم
وأضاف مولروي، لـ«الشرق الأوسط» أن المباحثات بين السيسي وبايدن تأتي في سياق مناقشة جهود الوساطة لحلحلة الأزمة، حيث «ناقش الرئيسان الحاجة إلى وقف طويل للقتال، ما سيتيح إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين في غزة بأمان، ويسهم في إيصال مزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع».
ورجح النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي السابق أن «يكون للقاهرة دور حيوي وحاسم، على المدى الطويل، في المساعي الدبلوماسية لتحقيق السلام الدائم المبني على حل الدولتين».
وقال مولروي: «إن لمصر دوراً حاسماً في جهود إيصال المساعدات الإنسانية لشعب غزة، وفي المفاوضات التي أدت إلى وقف تكتيكي لإطلاق النار، تزامن مع إطلاق سراح عدد من الرهائن».
ولعبت مصر وقطر وواشنطن دوراً فعالاً في التفاوض على هدنة لمدة أسبوع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أدت إلى إطلاق سراح أكثر من 100 من المحتجزين في قطاع غزة، ونحو 240 سجيناً فلسطينياً.
وكان مصدر مصري مطلع قد أكد لـ«الشرق الأوسط»، في وقت سابق أن «مصر مستمرة في بذل الجهود لإيجاد حل للوضع في غزة»، وأنها «منفتحة على كل الأطراف بفاعلية وتنسق الجهود مع الجانب القطري والأميركي فيما يتعلق بالهدنة والوصول لحلول شاملة، كما يجري تبادل الرؤى مع الأردن والسعودية والإمارات بذات الشأن».
وبدوره، قال الوزير الفلسطيني الأسبق، عضو طاقم مفاوضات أوسلو مع إسرائيل، حسن عصفور لـ«الشرق الأوسط»، إن «القضية ليست في إجراء اتصالات أو محادثات هاتفية، بل المهم ما تريده الولايات المتحدة من هذه الاتصالات». وأوضح أن «واشنطن تركز جهودها على إطلاق سراح الرهائن دون الحديث عن وقف شامل لإطلاق النار، حتى أنها تجاهلت المبادرة المصرية للحل، رغم أنها كانت مفتاحاً رئيسياً للحل».
ممارسة الضغوط
وأضاف عصفور أن «الإدارة الأميركية تسعى من خلال اتصالاتها الأخيرة لإرسال رسالة مفادها أنها تمارس ضغوطاً، وتبذل جهوداً للحل، وذلك بهدف تخفيف الضغوط الداخلية عليها، في ظل الاستعداد لانتخابات رئاسية نهاية العام الحالي»، وأكد عصفور أنه «لا يتوقع أن تقبل حركة (حماس) أي اتفاق لا يتضمن وقفاً نهائياً لإطلاق النار».
ومساء الجمعة، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، للصحافيين، إن «الولايات المتحدة تعمل على تسهيل التوصل إلى اتفاق آخر بشأن إطلاق سراح الرهائن»، لكنه لم يرجح قرب التوصل لاتفاق، قائلاً: «يجب ألا نتوقع أي تطورات وشيكة»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وبينما أشار عضو مجلس الشيوخ المصري والخبير الاستراتيجي الدكتور عبد المنعم سعيد إلى أن الاتصالات الجارية بين الزعماء «يمكن أن تسهم في تحريك الأزمة»، لم يبدِ تفاؤلاً «بإمكانية وصولها إلى حل قريباً». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الاتصالات تستهدف محاولة جسر الفجوة بين الجانبين (حماس وإسرائيل)، عبر تقديم حلول قد تبدو مغرية لهما، بينما يتمسك كل طرف بموقفه».
تبريد الصراع
وقال إن «المعركة الدائرة حالياً هي بين اتجاه يسعى للتهدئة وتبريد الصراع، وبين آخر متفجر انتقامي وعنيف»، مشيراً إلى أن «الأمور لا يبدو أنها تسير في اتجاه التهدئة، مع زيادة الضغائن والكراهية واتساع الفجوة في المواقف». وشبه الوضع في منطقة الشرق الأوسط حالياً بـ«حال أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى».
وجاءت اتصالات الرئيس الأميركي الأخيرة بالسيسي وتميم عقب زيارة مستشاره لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك للقاهرة والدوحة، الأسبوع الماضي، لإجراء مناقشات حول إمكانية إبرام صفقة تبادل أسرى أخرى بين إسرائيل و«حماس».
إضافة إلى ذلك، يعقد وزير الخارجية المصري سامح شكري، الأحد، جلسة مباحثات مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في القاهرة. ووفق «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية الرسمية، يتناول اللقاء، الذي يُعقد في مقر الوزارة بـ«قصر التحرير»، العلاقات المصرية السعودية وسبل تعزيزها، إلى جانب مناقشة القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، على أن يعقد الوزيران مؤتمراً صحافياً مشتركاً في ختام المباحثات.