تيري فينابلز… مدرب «رومانسي» جعل كل لاعب يشعر وكأنه نجم
كان تيري فينابلز يريد أن يفعل كل شيء؛ كتابة روايات بوليسية، وفتح متجر للملابس في تشيلسي، وافتتاح سلسلة حانات، ووكالة لبيع التذاكر. أما فيما يتعلق بكرة القدم فعمل في جميع مجالاتها وأشكالها؛ لاعباً، ومدرباً، ومديراً فنياً، ورئيساً تنفيذياً، ومالكاً، ومستشاراً، وناقداً.
لقد كان فينابلز الطفل الوحيد لوالديه، وكان لديه طموح لا حدود له، لكنه كان شخصاً ودوداً ومديراً فنياً رائعاً قام ببناء فرق تقدم كرة قدم ممتعة. لقد كان رجل أعمال، ورجلاً غارقاً في تقاليد كرة القدم، ومع ذلك كان ينظر إلى الرياضة باعتبارها فرعاً من فروع صناعة الترفيه. لقد كان يريد أن يكون مشهوراً ويريد أن يكون ثرياً ويريد أن يكون محبوباً ويريد أن يفوز.
وفي كل هذه النواحي والمجالات، لا بد من القول إنه فشل بقدر ما نجح، فكثيراً ما كانت مشروعاته التجارية تتعثر، وعلى الرغم من أن نجاحاته الكروية كانت رائعة، فإنها كانت عابرة وعلى فترات متباعدة، وتقلبت جاذبيته الشعبية بشكل كبير على مر السنوات والعقود. إذا، ما الذي بقي من حياة هذا الرجل الإنجليزي العظيم الذي رحل وهو في الثمانين من عمره؟ لقد اعتاد التاريخ على نسيان أشياء مثل نسب الفوز، وانتقادات الصحف الشعبية، والمخالفات المالية. وبالتالي، فإن ما تبقى في نهاية المطاف هو الطريقة التي جعل الناس يشعرون بها.
في كوينز بارك رينجرز، سوف يتذكره الجميع باعتباره الرجل الذي أعاد الفخر والكبرياء إلى هذا النادي الصغير في غرب لندن. وفي برشلونة، سوف يتم تذكره على أنه المدير الفني الأجنبي الذي وضع حداً لـ10 سنوات من الابتعاد عن الفوز بلقب الدوري الإسباني الممتاز، وأعاد الفريق ليكون قوة كبرى في كرة القدم الإسبانية مرة أخرى.
وبالنسبة لأي مشجع إنجليزي لا يزال يتذكر ما حدث في عام 1996، فإنه الرجل الذي قاد المنتخب الإنجليزي لتقديم كرة قدم ممتعة في نهائيات كأس الأمم الأوروبية ليحرك الروح الوطنية بطريقة لم يفعلها سوى الفائزين بكأس العالم تحت قيادة ألف رامزي، والمنتخب الإنجليزي للسيدات بقيادة سارينا ويغمان.
لقد كان المنتخب الإنجليزي تحت قيادته يضم كوكبة من المواهب الرائعة، مثل بول غاسكوين وبيرند شوستر وغاري لينيكر وتوني كوري. لكن فينابلز كان في المقام الأول والأخير هو من قام ببناء هذا الفريق القوي، وكان يستطيع أن يجعل كل لاعب يشعر وكأنه النجم الأبرز في صفوف الفريق.
وفي ذلك العصر الذي كان فيه المدير الفني يمتلك كل الصلاحيات التي تجعله ديكتاتوراً، كان فينابلز مختلفاً تماماً، حيث كان يحتوي اللاعبين ويتعامل معهم بشكل رائع ويتحدث إليهم دائماً بشأن كيفية تحسين وتطوير مستواهم، كما كان يُسخر موهبته وقدراته التدريبية لمساعدتهم على تقديم أفضل ما لديهم داخل المستطيل الأخضر.
وربما يكون هذا هو السبب الذي يجعل فينابلز لا يُناسب أي تقليد فكري أو مدرسة تدريب معينة، ولا يتم تصنيفه وفق تكتيك أو أسلوب لعب معين. لكن تأثيره أعمق بكثير مما يعتقده أو يفترضه كثيرون. لقد تم إعادة استخدام طريقة «شجرة الكريسماس» الشهيرة (4 – 3 – 2 – 1) التي كان يستخدمها مع المنتخب الإنجليزي من قبل المنتخب الفرنسي الفائز بكأس العالم 1998 بقيادة إيمي جاكيه. وكانت الحصص التدريبية المبهرة التي يشرف عليها تحظى باحترام وتقدير اللاعبين، بل قام جورج غراهام بتقليدها في أرسنال. وينطبق الأمر نفسه أيضاً على التدريبات التي كان يجريها على تنفيذ الكرات الثابتة.
وفي برشلونة، أحدث فينابلز مزيجاً بين القوة الإنجليزية والمهارة الكتالونية، فكان يأخذ فريقه الإسباني إلى معسكر تدريبي مرهق في أندورا، ويحلل المباريات لساعات طويلة من خلال إعادة مشاهدة أشرطة الفيديو مرات ومرات، وكان يطلب من لاعبيه أن يمارسوا الضغط العالي والمتواصل على الفرق المنافسة حتى يستطيع الهيمنة والسيطرة على مجريات الأمور داخل الملعب. وكان من بين تلامذته الأكثر إخلاصاً آنذاك لاعب خط وسط أكاديمية برشلونة للناشئين جوسيب غوارديولا، الذي كان وصول فينابلز لبرشلونة بمثابة حافز كبير له لبداية شغفه الدائم بكرة القدم الإنجليزية.
وبعد مرور عقد من الزمن، وفي الوقت الذي كانت فيه كرة القدم الإنجليزية لا تزال تعتمد على فكرة قلب الدفاع القوي، كان فينابلز يثق في مدافع يلعب بطريقة مختلفة تماماً في أستون فيلا يُدعى غاريث ساوثغيت. ويمكن القول، من نواحٍ عديدة، إن الطريق التي أوصلت ساوثغيت إلى قمة كرة القدم الإنجليزية بدأت مع فينابلز، حيث رأى ساوثغيت الطريقة التي يمكن من خلالها للمدير الفني الماهر أن يُسخر حب الوطن والولاء لبناء فريق قوي تفوق قدراته المهارات الفردية للاعبيه، كل على حدة.
ورغم كل هذا، لم يكن فينابلز موضع تقدير حقيقي في عصره. حتى في ذروة سعادة الجماهير الإنجليزية بما قدمه منتخب بلادهم في نهائيات كأس الأمم الأوروبية عام 1996، كان حب الإنجليز له دائماً مشروطاً بطريقة أو بأخرى. ويعكس هذا جزئياً عدم ثقة كرة القدم الإنجليزية الفطرية في الأفكار الجديدة، وعلاقتها غير المستقرة مع المشاهير، وشكوكها في ذلك النوع من الثقة بالنفس التي يجسدها فينابلز. لم يكن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم يريده حقاً كمدير فني لإنجلترا، وحاول تقييده أثناء وجوده في هذا المنصب، ثم أجبره على الاستقالة فعلياً.
ولعل هذا هو السبب في أن أبرز ما يميز مسيرة فينابلز التدريبية هو نجاحه الكبير أيضاً. كان فينابلز يبلغ من العمر 53 عاماً فقط عندما ترك تدريب المنتخب الإنجليزي، لكنه لم يحقق سوى القليل من النجاحات بعد ذلك.
وفي عام 1998، انتهت مزاعم المخالفات المالية التي طاردته لسنوات بتوجيه 19 تهمة بسوء السلوك الخطير، ومنعه من تولي منصب مدير أي شركة أو مؤسسة لمدة 7 سنوات. ثم تولى القيادة الفنية لمنتخب أستراليا وأندية كريستال بالاس وميدلسبره وليدز يونايتد، لكنه لم يحقق النجاح المتوقع، كما قضى فترة مشؤومة مع بورتسموث، ثم انتقل إلى كوستا بلانكا، لكن في نهاية المطاف لم يحقق نجاحاً في كل هذه التجارب.
وبطبيعة الحال، كانت هناك تجربته مع توتنهام أيضاً. لقد لخصت تلك السنوات الست المضطربة التي قضاها في نادي طفولته بين عامي 1987 و1993 التناقض بين فينابلز رجل الأعمال الحالم وبين فينابلز المخَلص والقادر على بناء فريق قوي. كان نادي توتنهام يجسد كل طموحات فينابلز مجتمعة في هدف واحد، وهو تقديم كرة قدم مثيرة وممتعة.
أنقذ فينابلز النادي من الإفلاس، وقاد الفريق للحصول على لقب كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1991، لكنه اختلف بشكل كبير مع الرئيس السابق للنادي، آلان شوغر، ورحل عن النادي في ظل تقارير عن سوء الإدارة المالية. لقد كان يريد أن يفعل كل شيء، لكنه رحل من دون أن يفعل أي شيء!
وبعد مرور 3 عقود، يبدو الهوس بالحديث عن الشؤون المالية لفينابلز غريباً إلى حد ما في عصر تتم فيه السيطرة على الأندية من قبل أثرياء! صحيح أن فينابلز كان مشتتاً بين كثير من الأشياء، وصحيح أنه اتخذ قرارات سيئة ووثق في أشخاص، لم يكن يتعين عليه أن يثق بهم، واعتمد على جاذبيته الشخصية بشكل مبالغ فيه، وصحيح أنه ربما كان جشعاً بشكل مقيت في بعض الأحيان، وكان يمكن إغراؤه بالربح السريع، وصحيح أنه شتّت نفسه في كثير من الأدوار والمناصب، ولم يركز بحيث يصبح أسطورة في شيء واحد فقط، لكنه رغم كل عيوبه الكثيرة كان يمتلك رؤية نقية وبسيطة؛ رؤية لكرة القدم ككيان عضوي واحد، بدءاً من العشب الموحل للملعب، وصولاً إلى مجلس إدارة، يديره أشخاص يحبون كرة القدم ويهتمون بمستقبلها، على أن يكون ذلك قائماً على روح المبادرة والثقة بالنفس.
*خدمة «الغارديان»