نتائج «الثلاثاء الكبير» تعزز فرص ترمب في السباق الرئاسي
احتفل دونالد ترمب بـ«ليلة مذهلة» مع اقترابه من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، عبر تحقيقه فوزاً سهلاً في الانتخابات التمهيدية خلال «الثلاثاء الكبير»، ما يعني تكرار المشهد الانتخابي لنوفمبر (تشرين الثاني) 2020 متمثّلاً في المنافسة بين الرئيس الجمهوري السابق وخلفه الديمقراطي جو بايدن. وشهدت 15 ولاية ومنطقة أميركية واحدة، انتخابات تمهيدية في إطار «الثلاثاء الكبير» الذي يعد محطة حاسمة في السباق إلى انتخابات عام 2024، فيما يسعى المرشحان الأوفر حظا لولاية ثانية في البيت الأبيض. وكانت ولايتا تكساس وكاليفورنيا من الانتصارات الرئيسية لدونالد ترمب على نيكي هايلي التي اقتصر فوزها على ولاية واحدة، هي فيرمونت. وشمل فوز دونالد ترمب الثلاثاء ولايات ليبرالية مثل فيرجينيا، فضلا عن تلك المحافظة مثل الولايات الجنوبية.
أما في المعسكر الديمقراطي، فلم يواجه بايدن أي منافسة تذكر من مرشحين اثنين آخرين، ما يجعل فوزه بترشيح الحزب مجرد إجراء شكلي. ويلقي بايدن خطاب حال الاتحاد أمام مجلسي الكونغرس، الخميس، ما يشكل فرصة لعرض برنامج حملته الانتخابية. وفاز الرئيس البالغ 81 عاما في كل الولايات التي شهدت انتخابات في «الثلاثاء الكبير»، باستثناء خسارته في منطقة ساموا الأميركية الصغيرة في المحيط الهادي. وحذر الرئيس الديمقراطي من أن ترمب «مصمم على تدمير» الديمقراطية الأميركية. وقال في بيان صادر عن حملته إن ترمب «سيفعل أو يقول أي شيء للوصول إلى السلطة».
الرقم السحري
تمكن الرئيس السابق والمرشح الجمهوري ترمب من حصد 1002 مندوب منذ بداية الانتخابات التمهيدية، في مقابل منافسته نيكي هايلي التي حصلت على إجمالي 92 مندوبا.
وأعلنت نيكي هايلي انسحابها من السباق الجمهوري، ليصبح ترمب المرشح الجمهوري الوحيد الباقي في السباق والأقرب للحصول على الرقم السحري بحصد أصوات 1215 مندوبا، والفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي. ومع ترقّب إجراء الانتخابات التمهيدية في فلوريدا وأوهايو وأريزونا، في 12 و19 مارس (آذار)، تتوقع حملة ترمب تأمينه العدد الكافي من المندوبين قبل نهاية الشهر الحالي. وسيصدر ترشيح الحزب الجمهوري رسميا في المؤتمر الوطني للحزب الذي يعقد في يوليو (تموز) المقبل.
وفي خطاب ألقاه في منتجعه في ولاية فلوريدا، تفادى ترمب ذكر منافسته نيكي هايلي وركز على انتصاره الكاسح في انتخابات «الثلاثاء الكبير» ومهاجمة الرئيس بايدن. وكعادته، انتقد ترمب سياسات الهجرة التي تنتهجها إدارة بايدن، واصفا إياه «بالرئيس الأسوأ في التاريخ». وقال لأنصاره: «سنفوز في هذه الانتخابات، وسيكون الخامس من نوفمبر أهم يوم في تاريخ بلادنا». وشدد على أنه يتعين الفوز بهذه الانتخابات، «لأنه إذا خسرنا، فلن يتبقى لنا بلد».
ديمقراطيا، فاز الرئيس بايدن بجميع الولايات الخمس عشرة باستثناء إقليم ساموا الواقع في المحيط الهادي، لكنه لم يلق خطابا. واكتفى بإصدار بيان وصف فيه ترمب بأنه تهديد للديمقراطية الأميركية. وقال: «اليوم، جعل ملايين الناخبين في جميع أنحاء البلاد أصواتهم مسموعة، ما يظهر أنهم مستعدون لمواجهة خطة دونالد ترمب المتطرفة لإعادتنا إلى الوراء». وأضاف أن «نتائج انتخابات الليلة تترك للشعب الأميركي خيارا واضحا: هل سنواصل المضي قدما؟ أم سنسمح لدونالد ترمب بجرّنا إلى الوراء في الفوضى والانقسام والظلام التي اتسمت بها فترة ولايته؟». وتابع: «رسالتي للبلاد أن كل جيل من الأميركيين سيواجه لحظة يتعين عليه فيها الدفاع عن الديمقراطية والحرية الشخصية، والدفاع عن حقنا في التصويت وحقوقنا المدنية». وأضاف أن «هذه هي معركتنا، وسننتصر معا». ومن المقرر أن يلقي بايدن خطاب حالة الاتحاد الخميس، قبل توجّهه يومي الجمعة والسبت إلى ولايتي بنسلفانيا وجورجيا المتأرجحتين.
مباراة العودة
وبهذه النتيجة، تتّجه الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى مباراة عودة بين ترمب (77 عاما) وبايدن (81 عاما)، وهي أول منافسة متكررة بين مرشحين في انتخابات الرئاسة الأميركية منذ عام 1956 ولا تجد الكثير من الحماس بين الناخبين، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن معدلات التأييد لكليهما منخفضة.
فعلى الجانب الجمهوري، تلاحق ترمب مشكلات قانونية كثيرة، وهو يدافع عنه نفسه ضد 91 تهمة في أربع قضايا منفصلة. ورغم أنه أصغر من بايدن بأربع سنوات، فإنه ارتكب مؤخرا عدة أخطاء خلال الحملة الانتخابية؛ فخلط بين نيكي هايلي ونانسي بيلوسي، وبين بايدن و(باراك) أوباما. وتتخوّف تيّارات داخل الحزب من تصريحاته التحريضية ضد الأقليات والمهاجرين، ومن ميله إلى خطط «انتقامية» ضد خصومه السياسيين إذا فاز بالانتخابات.
ويتوقع مراقبون أن تتجه ولاية ترمب الثانية نحو الحمائية التجارية، وتشديد قواعد الهجرة، وخفض الضرائب، وانتهاج سياسة خارجية انعزالية.
ورغم ذلك، يتمتع ترمب بشعبية كبيرة بين الناخبين من جميع الأعمار والأعراق، بما في ذلك الجمهوريون من الطبقة العاملة وخريجي الجامعات، وفقا لاستطلاعات الرأي.
وفي الجانب الديمقراطي، يُعدّ ترشّح بايدن لولاية ثانية مقامرة محفوفة بالمخاطر، حيث تصاعدت المخاوف حيال قدرات بايدن الذهنية والبدنية. ومع تجاوزه 81 عاما، يخشى عدد كبير من الديمقراطيين من عدم قدرة بايدن على تولي منصب الرئيس لمدة أربع سنوات أخرى، في وقت تستعر فيه الحروب في أوروبا والشرق الأوسط، ويشهد الاقتصاد العالمي تراجعا في معدلات النمو. وتشمل أجندة بايدن لولاية ثانية خطط إحياء التصنيع المحلي، وتحسن البنية التحتية، ومكافحة التغير المناخي، كما سيعمل على زيادة الضرائب على الأثرياء وتعزيز التحالفات الأجنبية.
مفاجآت «الثلاثاء الكبير»
لم يواجه بايدن وترمب منافسة شديدة في الانتخابات التمهيدية في «الثلاثاء الكبير»، إلا أن ذلك لم يمنع المرشحة الجمهورية نيكي هايلي من سرقة بعض الأضواء من ترمب، وإن كانت أعلنت عن انسحابها بعد ذلك ببضع ساعات. وفازت هيلي بولاية واحدة في انتخابات الثلاثاء الكبير، وهي ولاية فيرمونت بنسبة 50 % مقابل 46% لترمب، في فوز مفاجئ حرم ترمب في اكتساح كامل للولايات الـ15. وتعد ولاية فيرمونت ولاية ليبرالية لم يستطع الحزب الجمهوري الفوز بها منذ 36 عاما. وقبل الثلاثاء الكبير حصدت هايلي فوزا وحيدا في انتخابات الحزب الجمهوري، وذلك في واشنطن العاصمة.
وأكّدت نتائج «الثلاثاء الكبير» إحكام ترمب قبضته على الحزب الجمهوري، مع اقترابه من الفوز بترشيحه.
وكان خصوم ترمب الجمهوريون يعوّلون على هايلي، رغم محدودية فرصها، لكنّها فشلت في الفوز في ولايات تشهد فيها شعبية ترمب تراجعا، مثل فرجينيا أو ماساتشوستس.
وقالت أوليفيا بيريز-كوباس، المتحدثة باسم حملة هايلي، في بيان الثلاثاء: «يشرفنا أن نتلقى دعم ملايين الأميركيين في جميع أنحاء البلاد اليوم، بما في ذلك في فيرمونت حيث أصبحت نيكي أول امرأة جمهورية تفوز بجولتين من الانتخابات التمهيدية الرئاسية». وأضافت: «لا تزال هناك كتلة كبيرة من الناخبين الجمهوريين لديهم مخاوف عميقة بشأن دونالد ترمب، ومعالجة مخاوف هؤلاء الناخبين من شأنها أن تجعل الحزب الجمهوري وأميركا أفضل». ورغم إعلان حملة نيكي هيلي خروجها من السباق الانتخابي، فإنها أشارت أنها لن تدعم الرئيس ترمب حينما يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري.
هزيمة في ساموا
كانت أبرز المفاجآت هي نتيجة الانتخابات في إقليم ساموا الأميركي، حين حقّق ديمقراطي مجهول فوزا على الرئيس بايدن. وحقق رجل الأعمال جيسون بالمر مفاجأة مذهلة بعد تغلبه على بايدن. ورغم أن ذلك لم يؤثر على فوز بايدن، لكنه شكل أول هزيمة لبايدن في الانتخابات التمهيدية وكان بمثابة إحراج ملحوظ لحملته.
ومن المتوقع أن يمنح التجمع الديمقراطي في ساموا الأميركية ثلاثة مندوبين لبالمر، وثلاثة لبايدن. وقال بالمر لوسائل الإعلام الأميركية إنه يدرك من غير المرجح أن يتفوق على بايدن في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، لكنه «وجه حملته نحو الأفكار والحلول في ظل استطلاعات للرأي تشير إلى أن 56% من الأميركيين لا يوافقون على قيادته». وأضاف: «لا أعتقد أنه يتعين علينا التنازل عن البيت الأبيض لإدارة جمهورية دون إجراء نقاش قوي يتضمن رؤية إيجابية ومتفائلة للمستقبل – يمكننا ويجب علينا أن نفعل ما هو أفضل لأميركا».
مينيسوتا والتصويت الاحتجاجي
على الرغم من فوزه المريح في غالبية الولايات التي شاركت في «الثلاثاء الكبير»، فإن حملة بايدن واجهت تصويتا احتجاجيا لا يستهان به في مينيسوتا وست ولايات أخرى، يعكس غضب شريحة من الناخبين من الدعم الأميركي لحرب إسرائيل على غزة. فمع فرز ما يقرب من 90 في المائة من الأصوات المتوقعة في مينيسوتا، وضع 19 في المائة من الناخبين الديمقراطيين المشاركين علامة «غير ملتزم» أمام الاختيار لإظهار معارضتهم لموقف بايدن من الحرب. وظهر اختيار «غير ملتزم» أيضا على بطاقات الاقتراع في انتخابات ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في ست ولايات أخرى في انتخابات «الثلاثاء الكبير»، وهي ولايات ألاباما وكولورادو وأيوا وماساتشوستس ونورث كارولاينا وتينيسي. وتراوح دعم بايدن في تلك الولايات بين 3.9% في أيوا و12.7% في نورث كارولاينا، مع فرز أكثر من 85 في المائة من الأصوات في هذه الولايات، بحسب شركة «إديسون ريسيرش». وسجل أكثر من 100 ألف شخص، أو 13 في المائة من إجمالي الناخبين، احتجاجهم بشكل مماثل في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغن الأسبوع الماضي.