«الاحتياطي الفيدرالي» يواجه ضغوطاً متنامية لخفض أسعار الفائدة
يواجه «الاحتياطي الفيدرالي» مأزقاً في قراره بشأن خفض أسعار الفائدة؛ من ناحية يتوقع الكثير من المحللين أن التضخم سيستمر في الانخفاض في الأشهر المقبلة، مما سيشير إلى أن خفض أسعار الفائدة سيكون مناسباً. ومن ناحية أخرى لا يزال التضخم مرتفعاً للغاية، مما يثير مخاوف من إعادة إشعاله من خلال خفض أسعار الفائدة.
وتبدو الأسواق مصمِّمة على أن يكون شهر مارس هو تاريخ أول خفض لسعر الفائدة من «الاحتياطي الفيدرالي» منذ 4 سنوات، بعد عامين من تشديد الائتمان القاسي.
فعلى الرغم من تقلب أسعار العقود الآجلة للحركة خلال الأسابيع الأخيرة، منذ أن أعلن صانعو السياسة الفيدراليون توقعاتهم بتخفيض 75 نقطة أساس في عام 2024، فإنها لا تزال تشير إلى احتمال بنسبة 50 في المائة أو أكثر لخفض في مارس، وفق «رويترز».
إشارات متضاربة
لكنّ المسؤولين الفيدراليين يواصلون إرسال إشارات متضاربة حول موعد أول خفض لأسعار الفائدة. وتشير تصريحات بعض المسؤولين إلى أن الخفض قد يحدث في مارس، بينما يشير آخرون إلى أنه قد يتأخر حتى منتصف العام أو حتى لاحقاً.
وفي وقت مبكر من يوم الثلاثاء، ارتفع الاحتمال الضمني لخفض مارس إلى 75 في المائة، لكنَّ هذا الاحتمال تراجع مرة أخرى بعد أن قال المحافظ كريستوفر والر، إن الولايات المتحدة «على مسافة قريبة» من هدف التضخم البالغ 2 في المائة لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي»، لكن لا ينبغي للمصرف المركزي التسرع في خفض سعر الفائدة القياسي حتى يتضح أن التضخم المنخفض سيستمر. وأضاف: «سيواصل (المركزي) تقييم بيانات الأشهر المقبلة قبل اتخاذ أي قرار».
وردّت الأسواق على الضغوط الخفيفة نسبياً من «الاحتياطي الفيدرالي» باستجابة متواضعة، حيث ظلت العقود الآجلة للفائدة مسعَّرة بنحو 70 في المائة لخفض في مارس.
قد يبدو هذا كأنه قصة قديمة مألوفة عن السوق التي تراهن ضد «الاحتياطي الفيدرالي»، لكنّ الهوس بشهر مارس له أسباب وجيهة.
يرجع السبب في أن العقود الآجلة للفائدة لا تزال تشير إلى احتمال بنسبة 70 في المائة لخفض أسعار الفائدة في مارس إلى عدة عوامل، بما في ذلك حقيقة أن مارس هو شهر تاريخي لقرارات السياسة النقدية من «الاحتياطي الفيدرالي».
وقد أدى تقرير أسعار المستهلك الأميركي لشهر ديسمبر (كانون الأول) إلى زيادة رهانات خفض أسعار الفائدة في مارس، على الرغم من أن القراءات الرئيسية للتقرير كانت في البداية تشير إلى أن التضخم لا يزال يمثل مشكلة.
ومع ذلك، فإن بيانات مدخلات المنتج الإيجابية في اليوم التالي أظهرت أن التضخم الأساسي في الولايات المتحدة بدأ في التراجع.
فجوة التضخم تتسع
يبدو أن فجوة التضخم بين مؤشر أسعار المستهلك ونفقات الاستهلاك الشخصي آخذة في الاتساع. لدرجة أن الكثير من البنوك والتجار الذين يحللون بيانات التضخم يتوقعون الآن أن ينخفض التضخم السنوي لنفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي لمدة 6 أشهر إلى ما دون هدف بنك «الاحتياطي الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.
ودفعت هذه الصورة المتضاربة لأسعار السلع، بنك «باركليز»، هذا الأسبوع، إلى توقع خفض سعر الفائدة الفيدرالي في مارس بدلاً من يونيو (حزيران). ويتوقع البنك الآن أن يبلغ التضخم السنوي لنفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي للنصف الثاني من عام 2023 نحو 1.9 في المائة، مقارنةً بـ3 في المائة لمؤشر أسعار المستهلك.
وبالمثل، يتوقع خبراء الاقتصاد في بنك «يو بي إس» الآن أن يبلغ التضخم السنوي لنفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي لمدة 6 أشهر 1.8 في المائة، أي ما يقرب من ثلث ذروته البالغة 5.9 في المائة في مارس 2022.
ويحذّر الكثير من المحللين من أن معدلات التضخم الأساسية لنفقات الاستهلاك الشخصي قد ترتفع مرة أخرى إلى ما يزيد قليلاً على 2 في المائة في الأشهر القليلة الأولى من عام 2024، ومع ذلك، فإن معظم المحللين، بما في ذلك «مورغان ستانلي»، يخفّضون أيضاً توقعاتهم الأساسية لنفقات الاستهلاك الشخصي لعام 2024 بالكامل.
وتعني هذه التقلبات في توقعات التضخم أن المبلغ الإجمالي للتيسير النقدي المخطط له لعام 2024 انخفض الآن باستمرار فوق 150 نقطة أساس، أي ضعف مؤشرات «الاحتياطي الفيدرالي» عن الشهر الماضي و15 نقطة أساس منذ بداية العام.
ويشير الكثير من المحللين أيضاً إلى أن معدلات الزخم الأخرى، مثل معدلات نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية لـ3 أشهر أو حتى شهر واحد، ظلت أقل من 2 في المائة منذ منتصف العام الماضي.
وإذا كان التضخم قد انخفض بالفعل إلى الهدف أو أقل منه، فإن معدل التضخم «الحقيقي» المعدل لسياسة «المركزي» لا يزال يرتفع، مما يمثّل تهديداً لاقتصاد متباطئ. وقد أعرب محضر اجتماع «الاحتياطي الفيدرالي» الأخير عن قلقه بشأن الإفراط في التشديد.
وعلى الرغم من أن سعر الفائدة الاسمي لـ«الاحتياطي الفيدرالي» ظل ثابتاً عند 5.25 في المائة إلى 5.5 في المائة منذ يوليو (تموز)، فإن سعر الفائدة الحقيقي لـ«المركزي» المستمَدّ من نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية السنوية لمدة 6 أشهر، ارتفع بمقدار 130 نقطة أساس إضافية إلى أكثر من 3.6 في المائة في الأشهر القليلة الماضية. وقد يستمر في الارتفاع، إذ تنخفض معدلات التضخم هذه بشكل أكبر.
الضغط على الاقتصاد
قد يتعرض «الاحتياطي الفيدرالي» لضغوط لخفض سعر الفائدة الاسمي لمنع أسعار الفائدة الحقيقية من الارتفاع، مما يضغط على الاقتصاد. وذلك لأن توقعات «المركزي» رفع أسعار الفائدة لمدة عام أو أكثر قد تؤدي إلى «جدران الاستحقاق» في جداول إعادة تمويل ديون الشركات أوائل العام المقبل.
وهناك عامل آخر يدعو إلى اتخاذ خطوة مبكرة وهو تحليل خطاب «الاحتياطي الفيدرالي». فما هو واضح من اجتماع ديسمبر هو أن توقعات صناع السياسة تغيرت بغضّ النظر، حتى من دون أي تحول خطابي في البيان الحذر أو التعليقات من رئيسه جيروم باول.
بالنسبة إلى الكثيرين، يشير ذلك إلى أن «الحديث عن قرب للحصول» أو ما يُعرف بالإنجليزية (fedspeak)، يمكن أن يتوافق مع عبارات مثل «سياسة أعلى لفترة أطول» و«سياسة تقييدية» مع تخفيضات أسعار الفائدة الاسمية ما دامت أسعار الفائدة أعلى من 2.5 في المائة، وهي النقطة التي يعدها «الاحتياطي الفيدرالي» محايدة على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، أشار محضر الاجتماع إلى مخاوف بشأن الاستنزاف السريع للسيولة الفائضة في أسواق المال. ويرجع ذلك إلى تراجع الأموال النقدية المودعة في تسهيلات إعادة الشراء العكسي التابعة لـ«الاحتياطي الفيدرالي» بين عشية وضحاها.
ويبدو أن مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» متفقون على الأقل على إجراء مناقشة حول معايير تباطؤ جولة الإعادة في ميزانيته العمومية، أو سياسة التشديد الكمي، نتيجة لذلك.
وربما لا يكون من قبيل الصدفة أن تنتهي اتفاقيات إعادة الشراء العكسي بحلول شهر مارس إذا استمرت وتيرة انخفاضها في الأشهر الأخيرة خلال الجزء الأول من هذا العام، حيث سيترك ذلك المصارف عُرضة لنقص السيولة، وهو أمر يأخذه «الاحتياطي الفيدرالي» في الاعتبار.