متحف الفن المعاصر في العلا… منها وإليها
قد لا نتخيل كم العمل الذي يدور الآن في العلا بالسعودية، خليات نحل تعمل على مدار الساعة من أجل تنفيذ مشروعات ثقافية ضخمة من شأنها تحويل العلا إلى محطة فنية وثقافية مميزة ليس فقط في المنطقة بل في العالم أيضا. ولا أدل على ذلك من الشراكات التي عقدتها الهيئة الملكية لمحافظة العلا مع مؤسسات ومتاحف عالمية لتطوير المتاحف القادمة لتلك البقعة النادرة الجمال في السعودية ومنها مركز جورج بومبيدو للفن المعاصر بباريس.
وبعد الإعلان في فينيسيا هذا العام عن المعماريين المكلفين بتصميم متحف الفن المعاصر ومتحف البخور، ننتظر بصبر نافد أي أخبار عن تطور العمل في المتحفين. لم يدم صبري طويلا لأتعرف أكثر على ما يجري حاليا وراء الكواليس خاصة بالنسبة إلى متحف الفن المعاصر المرتقب.
وبما أن لندن تعد عاصمة الفن العالمي فلم يكن بالمستغرب أن ألتقي بمديرة متحف الفن المعاصر كانديدا بستانا والقيمة حفصة الخضيري خلال حضورهما فعاليات معرض «فريز لندن» للفنون.
اللقاء الذي تم في أرض معرض «فريز» تميز بأجواء فنية خالصة، وعلى وقع أصوات مكائن القهوة والمحادثات الشائقة بين زوار المعرض أجلس مع بستانا والخضيري لألتقط بعض التفاصيل عن تطور العمل في متحف الفن المعاصر.
تحدثني حفصة الخضيري بحماسة واضحة عن عملها كقيمة في المتحف، أبدأ بسؤال «أين أنتم الآن؟ في أي مرحلة؟» تجيبني وتعود بي للإعلان عن المصممة المعمارية ريما غوتمة لتصميم مبنى المتحف ونقطة مهمة في كل المؤسسات الفنية التي ستحتضنها العلا وهو أن كل الأعمال القائمة حاليا تحرص على المحافظة على بيئة العلا وإرثها الحضاري والاجتماعي، وتقول «حاليا نضع استراتيجية للمجموعة الفنية التي ستعرض في المتحف، ولكننا نريد أن نحكي قصة العلا على نحو معاصر من خلال الأعمال التي ستنضم لمجموعة المتحف».
توضح أن العلا هي الأساس وأيضا جانب مهم من السرد الفني، ملقية بتساؤل «ولكن كيف يمكن أن نحكي قصة العلا المعاصرة من دون الحديث عن تاريخ الفن؟»، وهنا التاريخ يتضمن الحديث عن الفن السعودي، رغم أن المتحف يحمل هوية «الفن المعاصر» إلا أن ذلك لا يعني ابتسار التاريخ القريب لرحلة الفن السعودي «من الضروري أن نتحدث عن الفنانين المعاصرين في السعودية وأن نبدأ ذلك بالحديث عن الفنانين السابقين، نتحدث على مستوى إقليمي وعالمي لأننا نريد أن نربط بين السعودية والعلا من ناحية والعالم من ناحية أخرى» العلا كانت لها صلات تاريخية بالعالم بحكم موقعها على طريق البخور، كانت القوافل تأتي من اليمن وتمر من عندنا في طريقها لجميع أنحاء العالم.
«في السرد الفني لمتحف الفن المعاصر بالعلا تبدو الرؤية متجهة نحو التواصل مع العالم». أسألها: «كيف ستتمثل العلا في المجموعة. أم هل كونها موقع المتحف يكفي؟» تجيبني «بالتأكيد ستكون ممثلة عبر تاريخها وعبر بيئتها، يجب ألا ننسى أن المتحف سيكون وسط الواحة، بنخيلها ومياهها، من المهم لنا أن تدخل هذه العوامل داخل قصة الفن الذي نقتنيه حاليا».
أتلمس تفاصيل أكثر عن هوية الأعمال التي ستنضم للمجموعة الفنية في المتحف، وهنا تشير إلى أن الأعمال الفنية التي قدمتها الدورات المتتالية من معرض «ديزيرت إكس العلا» ستضمن مكانها المميز في مجموعة المتحف، كما سيكون الحال مع الأعمال الضخمة التي تنفذ حاليا ضمن مشروع «وادي الفن» الذي يجري فيه العمل حاليا.
عندما ننظر إلى أعمال فن الأرض التي بهرت الجمهور في «ديزيرت إكس العلا» والأعمال القادمة ضمن مشروع «وادي الفن»، لا بد من أن نغير من طريقة التفكير التقليدية في مفهوم المتحف، فالأعمال التي اتخذت، وستتخذ أماكن مميزة على رمال الصحراء، وعلى الجبال في العلا يمكن أن تكون ضمن مجموعة المتحف المقبل حتى، وإن كانت خارج جدرانه، بالنسبة إلى الخضير المهم عند التفكير في تلك الأعمال أن تكون جزءا من قصة المتحف. هي جزء من القصة الفنية، أي شيء يصير في العلا هو جزء من الإرث والقصة، نحن نقوم ببناء شيء جديد، فن معاصر نقدمه في جو جديد.
ولكن أعود لأؤكد أننا لا نزال في مرحلة وضع الاستراتيجية، ولم تتكون الصورة بعد. هذه العوامل كلها تدخل ضمن إطار التفكير، نريد أن يشعر أي فنان مشارك في أي مشروع فني في العلا أنه جزء من تاريخ المدينة. بما أن أعمال «ديزيرت إكس العلا» و«وادي الفن» لفنانين عالميين أجدني أتساءل عن نسبة الفنانين السعوديين والعرب في المتحف، هنا تؤكد أن نسبة أعمال الفنانين السعوديين والعرب سيكون لها المجال الأكبر في مساحات العرض.
مرحلة الاختيار والانتقاء تتحدث الخضيري عن مشاهداتها في معرض «فريز»، وهو أمر له علاقة بمعرفة آخر الأعمال المعاصرة من العالم، وربما للاستفادة من المشاهدات في أثناء عملية الانتقاء، ولكن الإجابة بالقطع ستكون عند الخبيرة، ومن هنا أسألها: «كيف تسير عملية الاقتناء، من جانبكم تبحثون أم ترسل لكم مقترحات؟» تقول إنَّ الأمر يتم في إطار ما تصفه «باكتشاف الفنانين»، وتسرع لتوضح مقصدها: «في الأغلب نحن نكتشف فنانين، ليس بمعنى أنهم قد يكونون غير معروفين، ولكننا نكتشفهم ضمن إطار العلا، ما هي أبرز أعمالهم وما هي طريقة تفكيرهم، وكيف يمكن ربط كل ذلك ضمن إطار قصة العلا».
عملية الاقتناء تتضمن الحصول على أعمال موجودة بالفعل أو التكليف بتنفيذ أعمال أخرى، يتضمن الأمر أيضا الاطلاع على الأعمال التي تنفذ ضمن برامج الإقامات الفنية المتعددة في العلا، إضافةً إلى ذلك يقوم فريق المتحف بخوض محادثات ومناقشات مع فنانين مختلفين، هنا تشير إلى نقطة مهمة «نضع في الحسبان الفنانين العرب المغتربين، نحرص على وجودهم وحكي قصصهم أيضا».
كانديدا بستانا والعرض المتحفي تنضم للنقاش مديرة المتحف كانديدا بستانا، وهي ليست غريبة عن الجو الفني في السعودية فهي كانت سابقاً المنسق الرئيسي للفن المعاصر في إثراء، مركز الملك عبد العزيز للثقافة العالمية، في الظهران.
أقول لها إننا كنا نتحدث عن أعمال الفن المعاصر والحديث في السعودية وما قالته المنسقة الخضيري حول أن المتحف سيعكس رحلة الفن السعودي أيضا، ما يهم بستانا هنا الإشارة إلى أن العرض الفني في المتحف لن يتبع سياقا زمنيا متسلسلا، ولكن: «عندما نرى مجموعة الأعمال الفنية لأي فنان لا يمكننا إغفال جانب من إنتاجه الفني فهو جانب من تطوره كفنان، نريد أن يرى الفنانون في المنطقة أن يشاهدوا ذلك التطور الذي هو جزء من تطور المنطقة، ما أقوله باختصار هو أن العرض المتحفي لن يخضع للتسلسل الزمني بل سيكون عاكسا عملية التطور من الفن الحديث إلى وضع أكثر معاصرة». في حديثها تؤكد على أن الهدف الأساسي الذي تضعه نصب عينيها في مرحلة تكوين المجموعة الفنية للمتحف أن يكون «متوائما مع مدينة العلا. نقوم بتكوين مؤسسة فنية مقرها من العلا وهدفها خدمة العلا».
يأخذني حديثها للتساؤل عن المشروع: «تتحدثين كثيرا عن أن العلا هي المحور الأساسي للمتحف، هل سيعبر المتحف أيضا عن بقية مناطق المملكة والموضوعات التي تشغل قاطنيها وقصصهم؟» تجيب بستانا قائلة: «نحن جزء من الحوار، المتحف سيكون طرفاً في حوار مع المؤسسات الفنية في مناطق مختلفة بالمملكة، ليس الأمر كما نرى في أوروبا حيث ظهرت المؤسسات الفنية على مراحل زمنية مختلفة، وقد تتشابه كثيرا، لدينا وضع مختلف هنا، ونعتبر أنفسنا محظوظين لأننا نستطيع الاستفادة من تلك المؤسسات. ثم إن المؤسسات في المملكة بحكم تقارب الزمن ستكون مكملة لبعضها البعض، فنحن نتوجه لنفس الناس والمجتمع ونفس المنطقة».
من العام إلى الخاص أنقل بستانا إلى ما يمكن الحصول عليه من تفاصيل حول أقسام المتحف وطوابقه. تجيبني بفكرة عامة عن المتحف تنطلق من أن أنه سيكون خاصا بالمنطقة «إذا أخرجتِ المتحف من العلا فسيفقد الكثير من معناه»، وتضيف «حاليا نتحدث مع الفنانين، ونأخذ الأمور بهوادة».
في خلال حديثها تقول بستانا «إن هناك حلقات مناقشة مع أهالي العلا بدأت هذا الشهر لتطلق الحوار حول ما يمكن أن يقدمه متحف الفن المعاصر للمنطقة، في حلقات النقاش نتحدث مع الجمهور العام من المزارعين والمدرسين إلى الأهالي، ونسألهم كيف يمكننا أن نفيدكم، وكيف يمكن أن تفيد الأعمال الفنية التي سنعرضها للدراسين والباحثين والمدرسين والطلاب، كيف يمكن أن تفيدهم المكتبة التي ستكون ملحقة بالمتحف، نريد أن نسمع منهم». هنا تضيف حفصة الخضيري «نتواصل مع أهالي العلا بطرق مباشرة وغير مباشرة، رأينا كيف تعاملوا مع الفعاليات الفنية المختلفة التي أقيمت هنا، نفهم أن لديهم بعض التفضيلات منها أن تكون الفعاليات متوافقة مع العائلات».
أترك حفصة وكانديدا لاستكمال جولتيهما في معرض فريز وأسرح بأفكاري للمستقبل وللمتحف الجديد وما سيقدمه للمجتمع.
اكتشاف المزيد من صحيفة دي إي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.