أكثر من ثمانين يوما مرت على الحرب التي يشهدها قطاع غزة الفلسطيني والذي تشن فيه إسرائيل حملة عسكرية شملت قصفا جويا وصاروخيا ومدفعيا وعمليات برية ميدانية أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني وإصابة نحو 60 ألفا آخرين وفقا لأرقام وزارة الصحة في القطاع. إن ما يلفت الانتباه في هذه الحرب، التي جاءت ردا على هجوم حركة حماس غير المسبوق على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هي أنها أحد أكثر النزاعات العسكرية تدميرا في القرن الواحد والعشرين حسب تحليلات نشرتها عدة وسائل إعلامية غربية، وذلك بعد أن أدت لدمار معظم البنية التحتية والمنازل المدنية والمساجد والكنائس وانهيار القطاع الصحي في غزة.
نشرت في:
10 دقائق
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول تشن إسرائيل حملة عسكرية متواصلة على غزة ردا على قيام حركة حماس في ذلك التاريخ بتنفيذ عملية غير مسبوقة ضد الدولة العبرية. ومنذ ذلك التاريخ أدى القصف العنيف والعمليات البرية التي يشهدها القطاع إلى مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، حسب أرقام وزارة الصحة في القطاع الذي تحكمه الحركة.
ولكن ما يلفت النظر أيضا في هذا النزاع المستمر منذ أكثر من 80 يوما، هو الحجم الهائل للدمار الذي شهدته مدن القطاع، والذي توصلت تحليلات نشرتها وسائل إعلام أمريكية إلى تصنيف هذه الحرب بين أكثر الصراعات العسكرية تدميرا في القرن الحادي والعشرين.
اقرأ أيضاغزة.. دمار شبه شامل وحياء بأكملها سويت بالأرض
شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية نقلت عن المحلل الاستخباراتي الدفاعي السابق والمحقق الأممي السابق في جرائم الحرب مارك غارلاسكو قوله إن حجم القصف الإسرائيلي الذي شهده القطاع لم يشهده العالم في صراع مسلح منذ حرب فيتنام، التي انتهت عام 1975، أي منذ 48 عاما.
قنابل ضخمة
الشبكة الأمريكية نشرت نتائج تحليل معزز بتقنيات الذكاء الاصطناعي، أوضح أن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل وقذائف قادرة على قتل وإصابة أشخاص في دائرة نصف قطرها 365 مترا من مكان الانفجار، ما يعادل مساحة نحو 58 ملعب كرة قدم، بعضها يبلغ وزنه 2000 رطل (907,18 كيلوغرام)، وحسب سي إن إن فإن هذه القنابل أكبر بأربع مرات من أكبر القنابل التي ألقاها التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” على مدينة الموصل العراقية بهدف طرد التنظيم منها.
{{ scope.counterText }}
© {{ scope.credits }}
{{ scope.counterText }}
ونقلت الشبكة عن جون شابيل القانوني والعضو في مجموعة سيفيك، ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي تعنى بتقليل الأضرار على المدنيين في مناطق الصراعات، قوله إن “استخدام قنابل بوزن 2000 رطل في منطقة شديدة الازدحام بالسكان مثل قطاع غزة يؤدي لنتائج سيأخذ المجتمع عقودا للتعافي منها”.
اقرأ أيضاشهادات: نزوح وبحث عن ملجأ وطعام وماء.. حياة غزيين تنقلب رأسا على عقب بسبب الحرب
وفي حين تؤكد القيادة العسكرية الإسرائيلية أن القصف المكثف واستخدام هذا النوع من القنابل مهمان للقضاء على حركة حماس التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية، يرى محللون سياسيون أنهما مسؤولان عن حصيلة القتلى المرتفعة جدا وحجم الدمار الهائل الذي يتعرض له القطاع.
فلسطينيون يتفقدون بيوتهم بعد غارة إسرائيلية على مخيم المغازي للاجئين في غزة أودت بحياة 70 شخصا على الأقل
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بدورها قامت بتحليل لصور الأقمار الاصطناعية الملتقطة لقطاع غزة، وتوصلت إلى أن ما تم تدميره في القطاع يفوق ما دمره النظام السوري في حملته العسكرية على مدينة حلب منذ عام 2013 إلى 2016، كما يفوق الدمار الذي تسببت به الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية عام 2017.
ووجدت الصحيفة أيضا أن الجيش الإسرائيلي شن غارات جوية متكررة وواسعة النطاق بالقرب من المستشفيات، التي من المفترض أن تتلقى حماية خاصة بموجب قوانين الحرب. وكشفت صور الأقمار الاصطناعية التي استعرضها مراسلو الصحيفة عن عشرات الحفر الواضحة بالقرب من 17 من أصل 28 مستشفى في شمال غزة، حيث كان القصف والقتال على أشده خلال أول شهرين من الحرب، بما في ذلك 10 حفر تشير إلى استخدام قنابل تزن 2000 رطل.
ونقلت الصحيفة عن ميريانا سبولجاريك إيغر رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي زارت غزة في 4 كانون الأول/ديسمبر “لا توجد مساحة آمنة، لم أمر بشارع واحد إلا ورأيت فيه دمارا للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات”.
دمار واسع النطاق
في مقالها المنشور بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2023، اعتمدت واشنطن بوست على بيانات يعود أحدثها إلى 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تبين أنه حتى ذلك التاريخ شهد القطاع الذي بلغ عدد سكانه قبل بدء النزاع أكثر من 2,375,200 نسمة، تضرر ما لا يقل عن 37 ألفا و379 مبنى، 10,049 منها دمرت بالكامل.
وقالت الصحيفة إن معظم الدمار تركز في شمال غزة الذي شهد وحده دمار 29,732 مبنى 8,561 منها دمرت بالكامل.
وفي حين أن الحملة العسكرية التي شنها نظام بشار الأسد في سوريا على مدينة حلب من عام 2013 إلى عام 2016 بدعم روسي، أدت لدمار 40 في المئة من المدينة خلال ثلاث سنوات، فإن نسبة الدمار في شمال غزة قد بلغت نحو 32 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر. إلا أن المباني التي دمرت بالكامل في حلب على مدى ثلاث سنوات بلغ عددها 4,773 مبنى، أي نحو 56 بالمئة من المباني التي دمرت بالكامل في شمال غزة خلال سبعة أسابيع، علما أن مساحة مدينة حلب تفوق مساحة شمال غزة بنحو مرة ونصف، حسب واشنطن بوست.
كذلك الأمر في الموصل التي تعادل مساحتها تقريبا مساحة حلب، والتي اتخذها تنظيم “الدولة الإسلامية” عاصمة لـ”خلافته”. شهد شمال غزة تدمير ضعف عدد المباني التي دمرت في المدينة خلال الحملة لطرد التنظيم المتطرف منها. أما عدد المباني التي تضررت بالعموم فهو تقريبا نفسه في المدينتين، وفقا للمصدر نفسه.
وأشارت واشنطن بوست إلى أن العملية العسكرية لطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من مدينة الرقة السورية عام 2017، قد أدت لدمار أقل من ثلث المباني التي دمرت في شمال غزة، في حين أن عدد المباني التي تضررت في شمال غزة أكثر بمرتين ونصف من عدد المباني المتضررة في الرقة.
آثار كارثية على أهل غزة
صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية من جهتها نشرت تحليلا لصور الأقمار الاصطناعية يخلص إلى أن نسبة المباني التي تضررت نتيجة القصف في مدينة غزة حتى 15 كانون الأول/ديسمبر يتراوح بين 63,3 و75,7 بالمئة. وفي شمال المدينة بين 61,6 و74,5 بالمئة.
أما في باقي مدن القطاع فتوصل تحليل فاينانشال تايمز إلى أن ما نسبته 11,3 إلى 17,2 بالمئة من مباني مدينة رفح أقصى جنوب القطاع قد تضررت، وفي دير البلح وسط القطاع بلغت النسبة 18,7 إلى 25,6 بالمئة، أما خان يونس التي كانت ساحة لبعض أعنف المعارك مؤخرا فبلغت نسبة المباني المتضررة فيها 24,7 إلى 33,3 بالمئة، وكل هذا حتى تاريخ 15 كانون الأول/ديسمبر.
النساء في غزة يعانين نقص مستحضرات العناية الصحية بسبب الحصار والحرب
ووفقا لوسائل الإعلام هذه فإن الحرب الحالية في قطاع غزة إلى جانب الحرب الدائرة في أوكرانيا والصراع في سوريا، هي النزاعات المسلحة الأكثر تدميرا وفتكا في القرن الحادي والعشرين. ومن أكثر ما يميز هذه النزاعات استهداف المستشفيات، وهو ما لم تخفه إسرائيل في هذه الحرب.
قالت حكومة الدولة العبرية في بداية حملتها على غزة إن حركة حماس تستخدم المستشفيات كمراكز قيادة أو كمخازن أسلحة، مبررة بذلك استهدافها للمستشفيات.
وبالطبع فقد كان لاستهداف المستشفيات، إلى جانب الحصار الخانق المفروض على القطاع، والذي منع وصول الوقود والدواء والماء وغيرها من المواد، أثر سلبي على الوضع الصحي لسكان القطاع الذين بات معظمهم يعيشون في مخيمات وملاجئ، وهو ما يترك أثرا مدمرا على سكان غزة.
فؤاد حسن