روسيا تتهم «الناتو» بالإعداد لمواجهة مسلحة معها
صعّدت موسكو لهجتها حيال التحركات العسكرية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) على مقربة من الحدود الروسية. ورأى سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف أن الحلف يعد لمواجهة مسلحة مع روسيا، وقال إن المناورات العسكرية المتواصلة قرب المناطق الحدودية تكشف أن التحضيرات وصلت إلى مستوى متقدم، محذراً من تطور قد يزعزع الأمن والاستقرار «في العالم كله».
وجاء حديث المسؤول الأمني الروسي على خلفية إطلاق مناورات للحلف الغربي تعد الأوسع منذ فترة طويلة، كما أنها تشكل تطوراً مهماً كونها تحشد للمرة الأولى قوات البلدان المنضوية في الحلف، بما فيها فنلندا والسويد، وهما البلدان اللذان انضما حديثاً إلى «ناتو». وأصبحت السويد رسمياً الخميس العضو الثاني والثلاثين في التكتل العسكري، ما يمثّل تحوّلاً كبيراً لدولة بقيت حتى عام 2022 حريصة على تجنب إغضاب جارتها روسيا.
وقال باتروشيف خلال اجتماع أمني عقده في جمهورية إنغوشيتيا الذاتية الحكم (شمال القوقاز) إن المناورات المستمرة لحلف «الناتو» تكشف خططاً واسعة لتطوير سيناريو المواجهة المسلحة مع روسيا، ما يهدد بتفاقم التوتر وزعزعة استقرار العالم.
وزاد أن «الدور المدمر للولايات المتحدة في التاريخ الحديث واضح. لم تقم أي دولة أخرى بإطلاق العنان لهذا العدد الكبير من الحروب والصراعات العسكرية، أو إثارة كثير من الأزمات الاقتصادية المدمرة، والقضايا الأمنية في مناطق شمال القوقاز الفيدرالية».
ورأى أن إحدى «الأدوات المهمة لنفوذ واشنطن على الدول الأخرى هي كتلة (ناتو) العدوانية، التي اقتربت جداً من الحدود الغربية لروسيا. وعلى مدى 75 عاماً من وجودها، أطلق الحلف الغربي، بوصفه الضامن المفترض للسلام والديمقراطية، أكثر من 100 حرب وصراع عسكري حول العالم، ويستعد الآن للحرب المقبلة».
ووفقاً للمسؤول الروسي فإن «المناورات الجارية للقوات المسلحة المشتركة لحلف (الناتو)، والتي تحمل عنوان (المدافع الصلب 2024)، والتي يتم خلالها وضع سيناريو المواجهة المسلحة مع روسيا، ستؤدي بالتأكيد إلى زيادة التوتر وزعزعة استقرار الوضع في العالم».
كما بدأ الخميس نحو 20 ألف جندي من 13 دولة مناورات كبيرة في أقصى شمال أوروبا للدفاع ضد هجوم افتراضي على أراضي الحلف. ويشمل هذا فنلندا والسويد، وفقاً للجيش النرويجي. ويشارك حوالي 1500 رجل وامرأة من القوات المسلحة الألمانية في مناورة «استجابة الشمال 2024»، حسبما قال الجيش الألماني في بلدة ألتا في أقصى شمال النرويج. وفي هذا السيناريو، يتأهب الجنود لشن هجوم مضاد الخميس من منطقة ألتا للاستيلاء على المناطق الواقعة إلى الجنوب والتي تحتلها روسيا.
وأشار باتروشيف إلى أن هناك «خططاً لتوسيع وجود (الناتو) في منطقة آسيا والمحيط الهادي والقطب الشمالي، وفي عام 2024 تستمر النفقات المخصصة للأغراض العسكرية التي تؤكد على الطبيعة العدوانية المتزايدة لهذا التحالف».
وكان حلف شمال الأطلسي، أطلق قبل أسابيع مناورات عسكرية واسعة، هي الأكبر منذ عهود الحرب الباردة، ويشارك فيها عشرات آلاف الجنود.
وأطلق الحلف على المناورات اسم «المدافع الصلب 24»، وقال إنها ستشهد مشاركة 90 ألف جندي، و50 سفينة من حاملات الطائرات إلى المدمرات، فضلاً عن أكثر من 80 طائرة مقاتلة ومروحية وطائرات من دون طيار، وأكثر من 1100 عربة قتالية بما في ذلك 133 دبابة و533 مركبة مشاة قتالية.
وتتضمن المناورات تحريك قوات من أميركا الشمالية عبر الأطلسي، وتهدف لاختبار دفاعات «الناتو» في مواجهة أي هجوم روسي. وتشمل المناورات وحدات من كل الدول الأعضاء بما فيها فنلندا والسويد.
وقال محللون عسكريون إن تلك المناورات تستهدف بالأساس إيصال «رسالة ردع» لروسيا، وتأكيد «تضامن وتنسيق» الحلفاء في الرد على أي تهديد محتمل، في خضم الصراعات المتفاقمة مؤخراً. وخلال الأيام الأخيرة، انطلقت المرحلة الجديدة من هذه المناورات في النرويج وبولندا على مقربة مباشرة من الحدود الروسية.
ووصف نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو نطاق مناورات حلف «الناتو» في 2024، بأنها تشكل «عودة لا رجعة فيها» من الحلف لمخططات الحرب الباردة.
ورأى أن هذه المناورات «عنصر إضافي في الحرب الهجينة التي يشنها الغرب على روسيا». ووفقاً له فإن حلف الأطلسي «يقوم عملياً بتجهيز وإعداد عملية التخطيط الحربي والموارد والبنية التحتية لمواجهة مع روسيا».
وحذّر الفريق أول فلاديمير زارودنيتسكي رئيس الأكاديمية العسكرية لهيئة الأركان العامة بالجيش الروسي من تحول الصراع في أوكرانيا إلى حرب شاملة في أوروبا، وقال إن احتمال تورط القوات الروسية في صراع جديد يزداد «بشكل كبير». وأدلى زارودنيتسكي بهذه التصريحات في مقال نشرته وزارة الدفاع تحت عنوان «الفكر العسكري».
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عنه القول: «لا يمكن استبعاد احتمال تطور الصراع في أوكرانيا من خلال زيادة «القوات المقاتلة بالوكالة» في المواجهة العسكرية مع روسيا، وقد يصل الأمر إلى اندلاع حرب شاملة في أوروبا». وأضاف «المصدر الرئيسي للتهديدات العسكرية لدولتنا هو السياسة المناهضة لروسيا التي تتبعها الولايات المتحدة وحلفاؤها، الذين يشنون نوعاً جديداً من الحروب الهجينة بهدف إضعاف روسيا بكل الطرق الممكنة، وتقييد سيادتها وتدمير وحدة أراضيها». وتابع «احتمال تورط دولتنا في صراعات عسكرية جديدة يزداد بشكل كبير». وأثارت الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا أسوأ أزمة في علاقاتها مع الغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962. وحذر الرئيس فلاديمير بوتين الغرب من أنه يخاطر بإشعال حرب نووية إذا أرسل قوات للقتال في أوكرانيا.
وتأتي تصريحات زارودنيتسكي في وقت يسعى فيه الغرب لدعم أوكرانيا من خلال تزويدها بمزيد من الأسلحة والتمويل بعد فشل الهجوم المضاد الذي شنته كييف الصيف الماضي، وبعد استعادة القوات الروسية زمام المبادرة في ساحة المعركة. وأضافت وكالة الإعلام أن زارودنيتسكي دعا إلى عدد من التغييرات في الطريقة التي تنظم بها روسيا جيشها وأمنها، ويشمل ذلك التركيز بشكل أكبر على الاعتماد على ما وصفه بالدول الصديقة؛ لضمان أمن روسيا، وتعزيز وحدة المجتمع الروسي فيما يتعلق بالاحتياجات الدفاعية.
في غضون ذلك، استدعت الخارجية الروسية الخميس، السفيرة الأميركية في موسكو وسلمتها مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، وورقة تتضمن مجموعة من المطالب.
وجاء في بيان أصدرته الخارجية أن موسكو طالبت في مذكرتها بوقف تقديم أي مساعدة لـ3 منظمات أميركية غير ربحية تنشط على الأراضي الروسية، وتصنفها موسكو على أنها غير مرغوب فيها في روسيا.
وحملت المذكرة أسماء المنظمات التالية: «المجالس الأميركية للتعليم الدولي»، و«الآفاق الثقافية» و«معهد التعليم الدولي»، والتي تقول موسكو إنها تنفذ بدعم من سفارة واشنطن برامج ومشاريع «تخريبية» ومناهضة لروسيا، وتهدف إلى تجنيد «عملاء النفوذ» تحت ستار التبادل التعليمي والثقافي. وأضافت الخارجية «تم تسليم السفيرة مذكرة رسمية تطالبها بوقف أي مساعدة في أنشطة هذه المنظمات غير الربحية، والتي، إذا استمرت، سوف تعد انتهاكاً للقانون الروسي، وكذلك إزالتها من الموقع الرسمي للبعثة الدبلوماسية ومن شبكات التواصل الاجتماعي لديها».
وشدّدت وزارة الخارجية للسفيرة تريسي على أن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا الاتحادية «سوف يتم قمعها بقسوة، بما في ذلك عبر اتخاذ قرارات بطرد موظفي السفارة الأميركية المتورطين في ذلك النشاط، بوصفهم أشخاصاً غير مرغوب بوجودهم على الأراضي الروسية». وكان هذا الموضوع تطور خلال الأسبوع الأخير، بعدما تفاقمت النقاشات حول نشاط منظمات تعليمية تدعمها السفارة الأميركية في موسكو.
ووجهت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قبل أيام، توبيخاً علنياً غير مسبوق للسفيرة الأميركية في موسكو، بسبب تصريحاتها حول «تطوير علاقات إنسانية مع شعب روسيا».
وكتبت زاخاروفا في قناتها على «تلغرام»: «أكدت السفيرة الأميركية لدى روسيا لين تريسي أهمية تطوير العلاقات الإنسانية بين الولايات المتحدة و(الشعب الروسي)، وأن تعلم اللغة الإنجليزية لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على وطنية المرء. لكنها لم تتحدث عن كيف وإلى أي مدى ترعى الولايات المتحدة ما يسمى (المنظمات غير الحكومية) التي تشارك في أنشطة تخريبية على أراضي بلدنا. كما أنها لم تذكر أن واشنطن أعلنت صراحة أن (الهزيمة الاستراتيجية) لروسيا هي هدفها».
وكان تريسي قالت إن واشنطن تحاول «الحفاظ على العلاقات الإنسانية» مع الشعب الروسي، موضحة أن الولايات المتحدة لديها «خلافات مع الحكومة الروسية بشأن بعض هذه الاتصالات».
لكن الدبلوماسية الروسية ردت بعنف، وقالت إن تريسي «تجاهلت أن الولايات المتحدة تزود نظام النازيين الجدد في كييف بأسلحة بعيدة المدى، تلك التي ترتكب بمساعدتها هجمات إرهابية ضد شعب روسيا.. كما أنها لم تقل إن الولايات المتحدة تنفق المليارات على إراقة الدماء. لكن أنا سأفعل وسأضيف – لين توقفي عن الكذب».