الخلافات الجمهورية تمدّد الفراغ التشريعي الأميركي
تعيش الولايات المتحدة أزمة تشريعية منذ أكثر من أسبوعين. فبعد إزاحة رئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي، لا يزال الجمهوريون غارقين في دوامة اختلافاتهم التي حالت دون انتخاب رئيس جديد.
وفشل جيم جوردان، مرشح الجمهوريين لهذا المنصب، في الفوز في الجولة الثالثة من التصويت، بعد صدامات سياسية داخلية حالت دون التوصل إلى تسوية تضمن رأب التصدع الحزبي الذي يتسع نطاقه يوماً بعد يوم. وعلى الرغم التحذير من تداعيات الشلل التشريعي الذي يعيشه المجلس، ودعوات الرئيس الأميركي جو بايدن للمشرعين لتخطي خلافاتهم وإقرار حزمة جديدة من المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل، فإن الخلافات مستمرة.
يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق» و«الشرق الأوسط»، مدى تأثير الانقسامات الحزبية على سياسة الولايات المتحدة ونفوذها، وما إذا كانت أميركا ستتخطى تداعيات هذا الشلل التشريعي.
الحزب الجمهوري «غارق في الفوضى»
ينتقد ماليك عبدول، الخبير الاستراتيجي في الحزب الجمهوري، غياب أي استراتيجية لدى الحزب الجمهوري في التعاطي مع الأزمة المستمرة في مجلس النواب، معتبراً أن الحزب «غارق في الفوضى». وحذّر عبدول من انعكاسات هذه الصورة «غير الجيدة» على مكانة الولايات المتحدة، مضيفاً أن «المشكلة هي أنه ليس هناك أي خطة بديلة. فها نحن، بعد أكثر من أسبوعين من دون أي خطة بديلة، وهذا الأمر مخيّب للآمال. إنه انعكاس للفوضى الموجودة في تجمعنا الانتخابي».
من ناحيته، يشير ريتش لوتشيتي، كبير المستشارين السابق للنائب الديمقراطي دايف سيسيليني، إلى أن «الحزب الجمهوري منقسم في جوهره»، معتبراً أنه «لم يعد حزباً يسترشد بالمثاليات، بل هو حزب مدين فقط لدونالد ترمب». ووجه لوتشيني انتقادات لاذعة للحزب الجمهوري، وقال إن «الكونغرس منقسم حالياً لأن الجمهوريين الذين يمثلون حزب الأكثرية، لا يقومون بأبسط وظيفة للحكم وهي انتخاب رئيس للمجلس».
وتعد مراسلة صحيفة «ذا هيل»، ساراكشي راي، أن الخلل الحالي المسيطر على مجلس النواب لا يحبط المجلس فحسب، بل يؤثر كذلك على عمل مجلس الشيوخ والبيت الأبيض. وتتحدث راي عن تأثيرات الصراع على الانتخابات الأميركية، فتقول إن «ما يجري لا يبشر بالخير بالنسبة إلى فرص الحزب في الانتخابات؛ لأن الحزب الديمقراطي يسلّط الضوء على أن الحزب الجمهوري مشتت وغير قادر على الحكم. وهذا سيظهر مدى ضعف الجمهوريين مع اقتراب دورة الانتخابات».
ويوافق عبدول على أن الحزب الجمهوري سيعاني من مشكلة في الانتخابات إن لم يحلّ أزمته الداخلية، لكنه يوجه اللوم في الوقت نفسه إلى الديمقراطيين الذين لم يتدخلوا لحل الشلل التشريعي، وصوتوا لصالح تنحية رئيس المجلس المعزول كيفين مكارثي.
اتهامات رفضها لوتشيتي الذي اعتبر أن ما جرى هو «مسؤولية الجمهوريين بالكامل»، مضيفاً أن «هذه الأزمة تقع على عاتق الجمهوريين الذين جعلوا التقدّم بطلب العزل أمراً سهلاً للغاية ومتوفراً ليستخدمه نائب مثل مات غايتس سلاحاً».
واعتبر لوتشيتي أن «كونغرس الولايات المتحدة انهار إلى مستويات من الخلل الوظيفي التي لم يسبق لها مثيل في الأوقات المعاصرة»، مشيراً إلى أن ما يجري سوف يكون له تأثير مباشر على انتخابات 2024 التي سينجم عنها مجلس نواب ديمقراطي، بحسب تقديره.
معارضة متزايدة لجيم جوردان
ولّدت محاولات جوردان المتكررة لكسب الدعم والفوز برئاسة المجلس، معارضة متزايدة له في صفوف الحزب. فهو معروف بمواقفه المثيرة للجدل، وهذا ما تحدثت عنه راي التي استبعدت أن يتمكن جوردان من توحيد الجمهوريين، مشيرة إلى أن موجة المعارضة له مستمرة بالتزايد. وأضافت راي: «لهذا السبب، ننظر إلى الخيار البديل الذي يدفعه الجمهوريون كتوسيع صلاحيات الرئيس المؤقت باتريك مكهنري، لأنهم غير قادرين على الاتحاد ودعم جيم جوردان».
ويشير عبدول إلى عدم وجود حل طويل الأمد حالياً، معتبراً أن الحل الأنسب في ظل التعطيل التشريعي هو إعطاء مكهنري صلاحيات أوسع خاصة مع اقتراب موعد نفاد التمويل الحكومي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني). أما لوتشيتي فأشار إلى تاريخ جوردان، مذكراً بوصف جون باينر، رئيس مجلس النواب الجمهوري السابق، له بـ«الإرهابي التشريعي»، مضيفاً أن «هوية جوردان السياسية هي هوية محارب سياسي. سيقوم بمواجهة الليبراليين والتقدميين والديمقراطيين في كل خطوة، إنه ليس بمشرّع، أو شخص يشجع على الإجماع. وهناك العديد من الأشخاص في مجلس النواب الأميركي مثله، الذين يفضلون السعي وراء عناوين الصحف وخلق النزاع بين الحزبين».
واعتبر لوتشيتي أن عدداً من المعتدلين في الحزب الجمهوري لن يصوتوا لصالح جوردان، خاصة أولئك الذين يخوضون انتخابات في مقاطعات ديمقراطية. وختم قائلاً: «لقد اختار جوردان هذا الدرب عندما دخل مجلس النواب، هذا ما أشار إليه جون باينر. وأعتقد بأنه أطلق عليه الاسم المناسب، هذه ثمرة أعماله. ولن يصبح رئيساً لمجلس النواب؛ لأن هذه هي هويته على مدى مسيرته المهنية».
مصير المساعدات
يتزامن هذا التعطيل التشريعي مع طلب البيت الأبيض من الكونغرس إقرار مساعدات إضافية لكل من أوكرانيا وإسرائيل، تتضمن تمويلاً لأمن الحدود وتايوان. لكن راي تحذر من أن مصير هذه المساعدات معلّق بانتظار انتخاب رئيس للمجلس، فتقول: «من دون مجلس نواب فعال، نعلم بأنه لن تتم الموافقة على أي نوع من المساعدات إلى إسرائيل أو أوكرانيا. من دون رئيس لمجلس النواب، ومن دون مجلس قادر على إتمام العمل، وبغض النظر عن رغبة مجلس الشيوخ أو البيت الأبيض بإقرار هذه المساعدات، فهذا لن يحدث لأننا نحتاج إلى مجلس نواب مكتمل لإيصال المساعدات إلى أوكرانيا وإسرائيل وتايوان والتمويل إلى الحدود».
وأشار عبدول إلى أن ربط مساعدات أوكرانيا بمساعدات إسرائيل من شأنها أن تحبط معارضة بعض الجمهوريين لتمويل كييف بسبب الدعم الواسع لإسرائيل في الكونغرس، لكنه أعرب عن استيائه الشديد من ذكر البعض للأزمة في المنطقة كحافز لانتخاب رئيس للمجلس.
أما لوتشيتي فقد دعا الكونغرس إلى تخطي خلافاته بسرعة في ظل الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن «الأولوية يجب أن تكون الحفاظ على أمن الوطن وخفض تكلفة العيش وضمان الفرص الاقتصادية للشعب». وأضاف أن «الحفاظ على أمن بلادنا، يشمل الحرص على الاستقرار حول العالم. يجب القيام بالأمرين معاً هنا، لا يمكن الاختيار. فعلى أعضاء الكونغرس أن يتمكنوا من التركيز على الشؤون الخارجية والداخلية أيضاً. إنه عمل صعب وقد تم انتخابهم للقيام به ويجب أن يقوموا به».