النمو في تونس يتراجع إلى 1.2 % بالنصف الأول من 2023



تواجه تونس منذ سنوات، تحديات اقتصادية كبيرة، تفاقمت بسبب جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا. وقد أدى ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وزيادة الدين العام. وفي محاولة للتغلب على هذه التحديات، بدأت تونس مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مالي شرط تنفيذ الحكومة التونسية برنامج إصلاحات اقتصادية ومالية، إلا أن هذه المفاوضات تعثرت بسبب رفض رفع الدعم وبيع مؤسسات عمومية.

ومع استمرار التحديات الاقتصادية وعدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، يتجه النمو في تونس إلى التباطؤ، وهذا ما أظهره تقرير «المرصد الاقتصادي لتونس لخريف 2023»، الصادر عن البنك الدولي، الذي أشار إلى أن الاقتصاد التونسي تباطأ في النصف الأول من عام 2023، حيث نما بنسبة 1.2 في المائة فقط، وهو تباطؤ كبير مقارنة بالفترة 2021 – 2022 بسبب استمرار التحديات التي تواجه الاقتصاد، بما في ذلك الجفاف المستمر، وتحديات التمويل الخارجي، وتواصل تراكم الديون المحلية لأهم المؤسسات العمومية، والعقبات التشريعية. وبحسب التقرير، فإن تحقيق نسبة نمو تبلغ 3 في المائة عام 2024، أمر يخضع للتطورات الناجمة عن كل من تواصل الجفاف، وظروف التمويل، ووتيرة الإصلاحات.

اقتصاد متباطئ وارتفاع التضخم

ركز الجزء الأول من التقرير على التحديات الاقتصادية التي تواجه تونس، مشيراً إلى أن الجفاف الممتد لفترة طويلة في القطاع الزراعي أدى إلى نمو محدود، وارتفاع طفيف في البطالة، لتصل إلى 15.6 في المائة في الربع الثاني من عام 2023 مقارنة مع 15.3 في المائة العام الماضي. وعلى الرغم من انخفاض العجز التجاري بنسبة 39 في المائة في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 إلى 12.2 مليار دينار تونسي (7.5 في المائة من النتاج الداخلي الخام لعام 2023)، مدعوماً بأسعار الطاقة والغذاء الدولية التي اتخذت منحى تنازلياً، وهو أكثر ملاءمة للاقتصاد وبانتعاش عائدات السياحة (ارتفاع بنسبة 47 في المائة على أساس سنوي حتى نهاية أغسطس/ آب 2023)، إلا أن تونس لا تزال تواجه تحديات في تأمين التمويل الخارجي، وذلك في ظل جدول زمني مهم على مستوى سداد الديون الخارجية على المدى القصير. ويعكس ذلك ارتفاع الدين العام، الذي ارتفع من 66.9 في المائة إلى 79.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بين عامي 2017 و2022. ونتيجة لاستمرار ضيق شروط التمويل الخارجي، استمر الضغط على الواردات، وهذا ينطبق بشكل خاص على المؤسسات العمومية ذات المديونية العالية، التي تحتكر توريد وتوزيع منتجات محددة. ويعد نظام التحكم في الأسعار الذي ينظم الأسواق الرئيسية للسلع الأساسية أحد الدوافع الرئيسية لزيادة المديونية لدى تلك المؤسسات العمومية، وكذلك نقص بعض السلع.

وفي الوقت نفسه، سجل تراجع طفيف في نسبة التضخم ولكنه ظل مرتفعاً، خصوصاً بالنسبة للمواد الغذائية. فقد بدأ التضخم بالانخفاض من الذروة التي بلغها عند 10.4 في المائة في فبراير (شباط) 2023، إلى 9 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2023، على خلفية انخفاض الأسعار العالمية وضعف الطلب المحلي. ومع ذلك، لا يزال التضخم مرتفعاً بالنسبة للأغذية عند 13.9 في المائة، حيث أدى الجفاف وضغط الواردات إلى انخفاض العرض في أسواق المواد الغذائية المحلية. من جهة أخرى، أدى التطور المعتدل في نسق ارتفاع الأجور في القطاع العام إلى احتواء عجز الموازنة خلال النصف الأول من عام 2023.

الهجرة فرصة للنمو الاقتصادي

ناقش التقرير في الجزء الثاني وانطلاقاً من عنوانه «الهجرة في ظل ظروف اقتصادية معقّدة»، الأهمية المزدادة للهجرة بالنسبة لتونس، من منظور تنموي. وأشار إلى أن الهجرة أصبحت خلال العقود الأخيرة أمراً حيوياً بالنسبة للتونسيين، خصوصاً أولئك الذين يواجهون صعوبات اقتصادية. وقد أدى ذلك إلى زيادة تدفقات التحويلات المالية الواردة، التي تعادل 6.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الفترة بين 2021 – 2022. كما أدت الهجرة إلى انتقال المهارات القيّمة ورؤوس الأموال. وعلى العكس من ذلك، لا تزال هجرة الأجانب إلى تونس ضئيلة، حيث تبلغ نحو 0.5 في المائة من تعداد السكان. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت تونس نقطة عبور مهمة للهجرة غير الشرعية وغير النظامية في منطقة وسط البحر الأبيض المتوسط.

ومن أجل تعزيز فوائد الهجرة على المدى الطويل، يمكن لتونس أن تركز على مجموعة من السياسات، بما في ذلك المواءمة بين مهارات المهاجرين واحتياجات البلدان التي يتوجهون إليها، والاعتراف بالمؤهلات التعليمية والمهنية للمهاجرين، وتعزيز وضع المهاجرين النظاميين. وقال التقرير إن توسيع خطط الانتقال، وتصميم اتفاقيات العمل، من شأنهما أن يعززا الفوائد الاقتصادية للهجرة، وفي الوقت نفسه، يوفرا ظروفاً ملائمة للمهاجرين مع الحفاظ على حقوقهم.

وفي تعليق له على التقرير، قال مدير مكتب البنك الدولي في تونس، ألكسندر أروبيو، إن الاقتصاد التونسي أظهر بعض المرونة، على الرغم من التحديات المستمرة. وقد أسهمت زيادة الصادرات في قطاع النسيج والصناعات الآلية وزيت الزيتون، جنباً إلى جنب مع نمو الصادرات السياحية، في تخفيف حدة العجز الخارجي. وأشار أروبيو إلى أن تعزيز المنافسة، وزيادة الحيز المالي، والتكيف مع تغير المناخ، هي إجراءات حاسمة لاستعادة النمو الاقتصادي وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية والمناخية المستقبلية.

زيادة أرباح البنوك تخفي مخاطر

على صعيد آخر، قالت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني إن ارتفاع أرباح البنوك التونسية يخفي مخاطر تتعلق بالسيولة والملاءة المالية، متوقعة ارتفاع تكاليف التمويل على البنوك التونسية في وقت من غير المرجح فيه أن تتحسن الربحية أكثر في النصف الثاني من عام 2023 إلى 2024، بسبب ارتفاع رسوم انخفاض القيمة والضريبة الإضافية على أرباح البنوك التي تم الإعلان عنها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وبحسب الوكالة، فإن التأخير في توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة دعم بقيمة 1.9 مليار دولار، يجعل الحكومة تعتمد بشكل مزداد على البنوك لتمويل احتياجاتها التمويلية الكبيرة، مما قد يضعف سيولة الأخيرة ويزيد من مخاطر الملاءة المالية.

كذلك توقعت «فيتش» أن يبلغ التمويل الحكومي في تونس نحو 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (نحو 7.7 مليار دولار) في عام 2024، وهي نسبة مرتفعة. وتشير الوكالة إلى أن قدرة البنوك على استيعاب هذه الفجوة التمويلية محدودة بسبب ضعف تدفق الودائع، حيث زادت الودائع المصرفية بأقل من 850 مليون دولار في عام 2023. ويؤدي ذلك إلى زيادة الاعتماد على تمويل البنك المركزي من خلال عمليات السوق المفتوحة، التي شكلت 8.8 في المائة من التمويل غير السهمي للقطاع المصرفي في نهاية مايو (أيار) 2023.

بالإضافة إلى ذلك، توقعت الوكالة زيادة تكاليف تمويل البنوك بسبب المنافسة على السيولة الشحيحة. كما أن التمويل الحكومي المرتفع باستمرار يزاحم إقراض القطاع الخاص، مما يقلل من فرص النمو الاقتصادي.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *