مقر السفارة الأميركية في طهران تجسيد لعقود من العداء
يمكن بسهولة التعرّف على مقر السفارة الأميركية السابق في وسط طهران بسبب الرسوم المناهضة للولايات المتحدة التي تغطي جدرانه، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويجسّد المبنى، الذي بات يعرف بمتحف «وكر الجواسيس»، العداء المتجذر في العلاقات الإيرانية الأميركية التي شابتها أزمات انعدام ثقة على مدى عقود، وتشكّل الحرب الدائرة حالياً بين إسرائيل و«حماس» أحد تجلياتها.
يُستقبل زوار الموقع بعلم أميركي ممزّق ورسم جداري لتمثال الحرية، وهي تحمّل في يدها شعلة حرية متآكلة، بينما يصوّر رسم آخر وجهها على شكل جمجمة.
في الداخل، يعود الزائر بالزمن إلى لحظة سيطرة طلاب إيرانيين عليه يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979. فالأشياء لا تزال على حالها تقريباً من أثاث ومعدات مكتبية، تشمل آلات تمزيق ورق وحواسيب، ووثائق تم بذل جهود كبيرة لإعادة تشكيلها بعدما حاول موظفو السفارة على عجل التخلص منها في الساعات التي سبقت اقتحام المجمّع.
ولا تزال صورة للرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر معلّقة على جدار ما كان في الماضي مكتب السفير.
احتجز الطلبة 52 موظفاً في السفارة رهائن على مدى 444 يوماً، مطالبين واشنطن بتسليم إيران الشاه الذي كان يخضع للعلاج من مرض السرطان في الولايات المتحدة.
جاءت الأزمة بعد أقل من 9 أشهر على إطاحة الشاه المدعوم من الولايات المتحدة، وكانت «حدثاً مؤسساً للجمهورية الإسلامية»، وفق ما أفاد طالب الماجستير حسين لوكالة الصحافة الفرنسية من أمام المتحف.
قطعت واشنطن العلاقات رسمياً مع طهران عام 1980 وهي لا تزال مجمّدة مذّاك.
وقال مدير المجمّع، ماجد علي زاده، إن المتحف يستقبل اليوم «100 إلى 200 زائر يومياً، 70 في المائة منهم سياح».
وأضاف أن «الأجانب، خصوصاً الروس والصينيين، يبدون اهتماماً أكبر من الإيرانيين». وأفاد أن بعض السياح «يأتون لرؤية المكان حيث تعرّض الأميركيون للإهانة».
ولم تتعافَ العلاقات بين واشنطن وطهران إطلاقاً جراء هذه الأزمة.
وقال حسين: «كان الثمن باهظاً جداً» نظراً إلى أن «الأميركيين لم يغفروا إطلاقاً ما حصل ونعيش مذاك في أجواء من التوتر والعقوبات».
ومنذ ثورة عام 1979، اعتمدت إيران على الدوام خطاباً شديد اللهجة مناهضاً للولايات المتحدة، يشكل صلب سياستها الخارجية.
العداء الإيراني – الأميركي
والأربعاء، أشاد المرشد علي خامنئي باقتحام السفارة قبيل حلول ذكرى مرور 44 عاماً على العملية.
ووصف خامنئي شعار «الموت لأميركا» بـ«النهج»، وقال عن العداء الإيراني – الأميركي، إن «أميركا تنسب عداءها إلى قضية السفارة، ويقولون (الأميركيون) إن سبب فرض العقوبات على إيران والتعامل معها بسوء، وإذكاء الاضطرابات، وخلق مشكلات، يرجع إلى اقتحام سفارتها على يد الطلاب، هذا ما يقوله الأميركيون وأتباعهم في الداخل».
لكنه قال إن الوثائق التي حصلت عليها إيران بعد اقتحام السفارة الأميركية تظهر أن «العداء» الأميركي يعود إلى انقلاب 1953، الذي أطاح برئيس الوزراء اليساري محمد مصدق.
وأضاف: «تظهر الوثائق أن السفارة الأميركية، على مدى 10 أشهر من ثورة 1979، حتى اقتحام السفارة كانت مركزاً للتآمر والتجسس والتخطيط للانقلاب والحرب الداخلية، وإدارة وسائل الإعلام المعادية».
وقال إن «(الموت لأميركا) ليس شعاراً، إنما نهج نشأ من مؤامرات وعداوات أميركية لا نهاية لها مع الأمة الإيرانية على مدى العقود السبعة الماضية».
ويحتشد الإيرانيون كل عام في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) أمام المبنى للتنديد بـ«غطرسة» الولايات المتحدة، التي تشير إليها الجمهورية الإسلامية باسم «الشيطان الأكبر»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ويخضع مبنى السفارة للقسم الدعائي في قوات الباسيج التابعة لـ«الحرس الثوري» منذ سنوات.
وتمثّل البعثة السويسرية مصالح الولايات المتحدة في إيران، وقد سهّلت مؤخراً عملية تبادل سجناء تمّت بعد مفاوضات مضنية بين طهران وواشنطن. أما في واشنطن فتمثّل السفارة الباكستانية المصالح الإيرانية.
وتخضع الجمهورية الإسلامية لعقوبات أميركية قاسية منذ انسحبت واشنطن عام 2018 من اتفاق تاريخي خفف العقوبات عن طهران في مقابل قيود على برنامجها النووي.
وزادت التوترات بين إيران والولايات المتحدة منذ هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) التي شنّتها «حماس» على إسرائيل.
وأشادت إيران بهجمات «حماس» ووصفت القصف الإسرائيلي المكثّف على غزة بأنه «إبادة جماعية».
ونددت طهران بواشنطن لدعمها إسرائيل، فيما اتّهم خامنئي في 25 أكتوبر الولايات المتحدة بالتواطؤ مع «المجرمين».
بدورها، اتهمت واشنطن طهران «بتسهيل» الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية في الشرق الأوسط.
ورغم العداء المتواصل منذ 50 عاماً تقريباً، رأى مدير المتحف علي زاده أن إعادة فتح السفارة أمر ممكن «إذا قبلت الولايات المتحدة واحترمت موقع إيران في المنطقة». وأضاف أنه عموماً «لم تكن لدى الإيرانيين يوماً أي مشكلات شخصية مع الأميركيين».