العاجي فوفانا لاعب النصر يسجل أول أهداف كأس أفريقيا


فرانز بيكنباور… لاعب سابق لعصره جعل كرة القدم تتطور معه

قال هيلموت شون، أحد أبرع وأشهر مدربي ألمانيا الغربية على الإطلاق، عن فرانز بيكنباور في فبراير (شباط) عام 1965 بعد استدعائه إلى قائمة منتخب ألمانيا الغربية للمرة الأولى: «بالنسبة لي، إنه لاعب المستقبل، ربما ليس في خط الوسط، بل ربما في خط الهجوم». كان الناس دائماً ينظرون إلى بيكنباور ويرون أنه لاعب قادم من عصر آخر، وكان هذا يعني على مدار فترة طويلة أنه لم يكن أحد يعرف بالضبط كيف يمكن استغلال قدرات وإمكانات هذا اللاعب الفذ. لقد كان لاعباً وسيماً يمتلك كاريزما هائلة، كما كان يلعب بشكل أنيق للغاية من شأنه أن يثير غضب أولئك الذين يعتقدون أن كرة القدم هي صناعة تعتمد على المجهود البدني الكبير فقط في ذلك الوقت. لقد كان موهوباً من الناحية الفنية بشكل مذهل، وكان يرى أشياء داخل الملعب لا يراها الآخرون، كما كان يتمتع بالذكاء الحاد.

ومنذ أن كان طفلاً صغيراً، كان من الواضح أن بيكنباور سيكون لاعباً فذاً على أعلى المستويات. لكن المشكلة الحقيقية كانت تتمثل في المركز الذي يناسب قدراته وإمكاناته داخل الملعب، ولم يتمكن أي شخص من إيجاد حل لهذه المشكلة. لذلك، يمكن القول إن بيكنباور اخترع دوراً لنفسه. يُنظر إلى بيكنباور الآن على أنه أفضل من لعب في مركز الليبرو، لكنه لم يكن ليبرو بالمعنى الإيطالي المعروف، فلم يكن يكتفي بالوقوف خلف مهاجمي الفرق المنافسة وصناعة الهجمات بتمريرات طويلة من الخلف للأمام. وقال بيكنباور نفسه إنه لو كان يشبه أي لاعب في فريق إنتر ميلان العظيم تحت قيادة هيلينيو هيريرا، الذي كان أول من بدأ الاعتماد على الليبرو خلال الفترة التي فاز فيها ببطولتين لكأس أوروبا، فإنه يشبه المدافع الأيسر جياسينتو فاكيتي، وهو مدافع يجيد التقدم إلى الأمام واختراق صفوف المنافسين والانضمام إلى خط الهجوم.

بيكنباور… قاد المنتخب الألماني للفوز بكأس العالم عام 1974 (أ.ب)

لقد كانت مسيرة بيكنباور المبكرة عبارة عن قصة لاعب يبحث عن دور له داخل الملعب. فعندما ظهر لأول مرة مع الفريق الأول لبايرن ميونيخ في عام 1964 عندما كان يبلغ من العمر 18 عاماً، في ملحق الصعود ضد سانت باولي، لعب في مركز الجناح الأيسر. وفي مباراته التالية، التي كانت أمام تسمانيا برلين، عاد للخلف لكي يلعب قلب دفاع عندما تقدم المهاجم راينر أولهاوزر للأمام في الوقت الذي كان يبحث فيه بايرن ميونيخ عن إحراز هدف التعادل، وقدم بيكنباور أداءً جيداً جعله يلعب مرة أخرى أمام بوروسيا نيونكيرشن. وفي مباراة المجموعة الثانية ضد سانت باولي، شارك بيكنباور في التشكيلة الأساسية لاعب خط وسط، ثم عاد للخلف للمساعدة في الحد من خطورة التوغولي غاي أكولاتسي لاعب خط الوسط (أول لاعب أسمر يلعب في ألمانيا)، وانتهى به الأمر باللعب مهاجماً صريحاً، بينما كان بايرن ميونيخ يسعى لإحراز هدف الفوز.

كانت فرق ألمانيا الغربية في تلك الأيام تميل إلى اللعب بطريقة 3-2-2-3، التي كانت تعرف آنذاك باسم «دبليو إم»، بحيث يتراجع خلالها أحد لاعبي خط الوسط لكي يلعب خلف المدافعين و«ينظف» الهجمات، لكن مثل هذا اللاعب لم يكن يقوم بهذا الدور على نحو مبدع، على عكس ما كان يحدث في إيطاليا. بدلاً من ذلك، كان قلب الدفاع يراقب المهاجم الصريح للمنافس، لكن لم يكن مسموحاً له بالتقدم كثيراً للأمام، على الرغم من أنه يعرف أن هناك لاعباً آخر يغطي المساحة الخالية من خلفه. ثم جاء بيكنباور ليقوم بهذا الدور بشكل مختلف عن أي لاعب قبله.

فشل بايرن ميونيخ في الصعود بفارق نقطة واحدة في ذلك الموسم، لكنه صعد إلى الدوري الألماني الممتاز في الموسم التالي، وكان بيكنباور يلعب كقلب دفاع، على الرغم من الحديث المستمر في الصحف عن أنه من الأفضل أن يلعب في خط الوسط لأنه لاعب مبدع. يبدو أن زلاتكو كايكوفسكي، المدير الفني لبايرن ميونيخ آنذاك، كانت لديه شكوك مماثلة، وتعاقد في ذلك الصيف مع ديتير دانزبيرغ ليلعب قلب دفاع، وهو ما سمح لبيكنباور بالتقدم إلى الأمام. لكن دانزبيرغ حصل على بطاقة حمراء في المباراة الافتتاحية للموسم التالي، التي كانت أمام ميونيخ 1860، وتم إيقافه لمدة ثمانية أسابيع. عاد بيكنباور للعب في مركز قلب الدفاع بدلاً من دانزبيرغ، ولم يتركه بعد ذلك أبداً، وقاد بايرن ميونيخ للوصول إلى المباراة النهائية لكأس ألمانيا ضد إس في ميدريتش عام 1966.

تم تقييد القدرات الهجومية لبيكنباور بسبب ضرورة بقائه في الخلف للتعامل مع المهاجم الخطير روديغر ميلكي، لكن قبل نهاية المباراة بثماني دقائق، وبينما كانت النتيجة تشير إلى تقدم بايرن ميونيخ بثلاثة أهداف مقابل هدفين، استعاد أولهاوزر الكرة وأدرك فجأة أن بيكنباور قد انطلق للأمام، ومرر له الكرة ليسجل الهدف الحاسم من على حافة منطقة الجزاء ويقتل المباراة تماماً. أصبح بيكنباور يلعب في مركز الليبرو بشكل مستمر، وفي ظل وجود جورج شوارزنبيك في مركز قلب الدفاع بجانبه، قاد بيكنباور بايرن ميونيخ لتحقيق العديد من النجاحات خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي.

وعلى مستوى المنتخب الوطني، كان المركز الذي يلعب به بيكنباور أكثر إثارةً للجدل. ففي فبراير (شباط) 1965، وفي مباراة ودية ضد تشيلسي، لعب بيكنباور في خط الوسط، حيث قام شون بتجربة اللعب بأربعة لاعبين في الخط الخلفي. وبخلاف مباراتين في جولة الفريق في أمريكا الجنوبية والوسطى عام 1968، عندما تم الاعتماد على ويلي شولتز كقلب دفاع وبيكنباور كليبرو، ظل بيكنباور يلعب في خط الوسط حتى عام 1971 عندما وافق شون أخيراً على السماح لبيكنباور بالعودة واللعب في مركز الليبرو.

منذ طفولته كان من الواضح أن بيكنباور سيكون لاعباً فذاً (غيتي)

وفي العام التالي، كان بيكنباور ضمن تشكيلة منتخب ألمانيا الغربية الذي فاز على إنجلترا بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد على «ملعب ويمبلي» في مباراة الذهاب للدور ربع النهائي لكأس الأمم الأوروبية عام 1972، وقدم أداءً مذهلاً على مدار نصف ساعة. وقالت صحيفة «ليكيب» إن ما قدمه بيكنباور «ينتمي لكرة القدم التي ستُلعب عام 2000». لكن الحقيقة هي أنه مهما بدت ألمانيا الغربية متقدمة مقارنة بالمنتخب الإنجليزي تحت قيادة ألف رامسي، فقد كانت كرة القدم التي تلعبها تنتمي إلى أوائل السبعينات من القرن الماضي وليس عام 2000!

يُقال إن محاولة المنتخب الألماني اللعب بشكل مستمر في ظل المدرج الرئيسي بسبب درجة الحرارة الشديدة في ليون خلال كأس العالم 1970 هي التي علمت ألمانيا الغربية كيفية الاستحواذ على الكرة، بالإضافة إلى أن الحرية التي يتمتع بها بيكنباور في التقدم من الخلف للأمام ليكون لاعباً إضافياً في خط الوسط كانت حاسمة في السماح لألمانيا الغربية في اللعب بهذه الطريقة. ونجحت ألمانيا الغربية بهذه الطريقة، التي يمكن وصفها بأنها شكل من أشكال «الكرة الشاملة» لكن بدون الضغط المتواصل على المنافس، في الفوز بكأس الأمم الأوروبية عام 1972 وكأس العالم 1974. لكن الزمن نجح أخيراً في أن ينال من الرجل القادم من المستقبل ليعتزل كرة القدم. وعندما اتجه للعمل في مجال التدريب، كان بيكنباور مدرباً محافظاً. وقال: «الموقف الدفاعي يتوافق مع طبيعة ألمانيا. إننا ندرس طريقة لعب المنافس ثم نفرض أسلوب لعبنا عليه».

وعندما أشار مساعده كلاوس أوجنثالر إلى ضرورة الاعتماد على أربعة لاعبين في الخط الخلفي، أصر بيكنباور على أن «شخصيتنا ونظامنا» يعتمدان على الليبرو، بالإضافة إلى مدافعين يراقبون مهاجمي الفريق المنافس. لقد قاد بيكنباور منتخب بلاده للوصول إلى المباراة النهائية لكأس العالم مرتين، في عامي 1986 و1990، وفاز باللقب عام 1990، لكن ربما أدى تأخير الاعتماد على طريقة الضغط العالي على المنافسين إلى ما يمكن وصفه بالعقد الضائع في التسعينات من القرن الماضي (على الرغم من الفوز بكأس الأمم الأوروبية عام 1996).

لكن لماذا كان بيكنباور مُنظِّراً عظيماً؟ ولماذا كان، كمدير فني، من بين أفضل المديرين الفنيين فيما يتعلق بالتطوير الخططي والتكتيكي؟ يعود السبب في ذلك إلى أنه كان اللاعب الذي غيّر الطريقة التي تُلعب بها كرة القدم، بعدما ظهر كلاعب سابق لعصره ليجعل كرة القدم كلها تتكيف مع ما يقدمه، وليس العكس!

*خدمة «الغارديان»



المصدر

صالح علي

كاتب ومحرر صحفي

ماكرون يدعو إلى «استئناف» المفاوضات للإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة

شراكة بين «موسم الرياض» وإيلي صعب لإطلاق تصاميم لخريف 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *