غوانتانامو: التعذيب ركن رئيسي في محاكمات تفجيرات بالي
تسببت معاملة المعتقلين في تعقيد جهود المدعين العموم لإجراء محاكمات في قضايا تفجير 11 سبتمبر (أيلول) والمدمرة الأميركية «يو إس كول» في غوانتانامو».
أخبر المدعون العموم أقارب ضحايا تفجيرات بالي في إندونيسيا عام 2002، أن الحكومة الأميركية عقدت صفقة إقرار بالذنب مع سجينين ماليزيين لمحاولة فصل قضية التعذيب عن المحاكمة النهائية للسجين المتهم بأنه العقل المدبر للهجمات المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، بحسب تقرير لـ(نيويورك تايمز) الأحد.
قدم الماليزيان شهادات سرية في وقت صدور الحكم ضدهما، الشهر الماضي، يمكن استخدامها ضد المتهم بأنه العقل المدبر، سجين إندونيسي يُعرف باسم حنبلي، في محاولة لتجنب التقاضي المطول حول ما إذا كانت الأدلة السابقة قد جرى الحصول عليها طواعية.
وأدى إرث التعذيب إلى تعقيد جهود المدعين العموم لإجراء محاكمات في قضايا تفجيرات 11 سبتمبر والمدمرة «يو إس إس كول» الأشهر في غوانتانامو.
الحرمان من النوم
وعلى غرار المشتبه بهم بالإرهاب في قضايا كهذه، جرى احتجاز المتهمين بتفجير بالي عراة فيما يشبه القبو، وجرى حرمانهما من النوم من خلال تقييدهما بشكل مؤلم وتعرضا لتقنية الإيهام بالغرق خلال احتجازهما من 2003 إلى 2006 في سجون تتبع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وجرى الزج بهما قيد الحبس الانفرادي. كل ذلك شكل مادة دسمة لمحامي الدفاع الذين سعوا للتشكيك في الأدلة التي يأمل المدعون العموم في استخدامها في محاكمات جرائم الحرب.
صفقة الإقرار بالذنب
وطفت على السطح صفقة الإقرار بالذنب، الشهر الماضي، خلال أسبوعين من الإجراءات التي تكشفت ببطء في خليج غوانتانامو. من جانبهم، أحضر المدعون العموم أفراد عائلات الضحايا من أوروبا والولايات المتحدة للإدلاء بشهاداتهم والتعبير عن حزنهم. وبعد ذلك، حكمت لجنة عسكرية على المتهمين، محمد فاريق بن أمين ومحمد نذير بن ليب، بالسجن 23 عاماً إضافية.
وبشكل منفصل، كشف القاضي العسكري، العقيد ويسلي براون، عن تخفيف للحكم على مرحلتين وتوصية بإعادتهما إلى الوطن، ما قد يعني في النهاية عودتهما إلى الوطن هذا العام. وجاء الاتفاق المفاجئ بمثابة صدمة أغضبت أصدقاء وأقارب الضحايا الـ 202 الذين لقوا حتفهم في الهجوم الذي وقع في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2002.
كان جان إيزينسكي من ملبورن، أستراليا، في حانة في بالي قبل الانفجارات، لكنه فقد خمسة أصدقاء تلك الليلة. وحرص على متابعة الإجراءات في غوانتانامو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والبيانات التي نشرها البنتاغون في بعض الأحيان.
محاكمة صورية
وصف إيزينسكي جلسة النطق بالحكم بأنها «محاكمة صورية» اتسمت بشفافية أقل من المحاكمات الأولى للجناة في جنوب شرقي آسيا، حيث أدين بعضهم وأعدموا منذ فترة طويلة. إلا أن العائلات التي جرى نقلها إلى «القاعدة» كشهود قالوا إن المدعين العموم أعدوهم لتقبل الخيبة.
وقال ماثيو أرنولد من برمنغهام، إنجلترا، إن المدعين العموم قالوا إن صفقة الإقرار بالذنب ضرورية «لتقديم ملاحقة قضائية مجدية ضد حنبلي». يذكر أن شقيق أرنولد، تيموثي، لقي مصرعه في التفجير أثناء زيارته بالي لحضور بطولة رجبي.
ووصف أرنولد الاستراتيجية، كما نقلها الادعاء، بأنها تستخدم الماليزيين في الأساس كـ«كبش فداء للإمساك بالحيتان الأكبر». وقالت ماري باناغولاس، التي قُتل شقيقها ديمتري، البالغ من العمر 27 عاما، وهو مواطن يوناني ـ سويدي في بالي: «أخبرنا الكولونيل جورج سي كري، المدعي العام الكبير، أنه يشعر بخيبة أمل». إلا أن المدعي العام أشار إلى أن الشهادات التي تم أخذها من الماليزيين في صفقة الإقرار ستساعد في قضية حنبلي، بينما رفض العقيد كري التعليق.
وقالت سوزانا ميلر، التي قُتل شقيقها دان، وهو مواطن بريطاني، إن المدعين العموم أخبروا أفراد العائلة عن الصفقات «بشكل ودي»، قبل أن يعلنها القاضي علناً. ووصفت الصفقات بأنها ضرورية «لتطهير» القضية من الأدلة التي جرى الحصول عليها من خلال التعذيب.
جدير بالذكر أن المتهمين الثلاثة احتجزوا من قبل الولايات المتحدة منذ القبض عليهم في صيف عام 2003 في تايلاند، لكن الحكومة الأميركية انتظرت حتى عام 2021 لتقديمهم للمحكمة، وقد واجه المدعون صعوبة في إعداد أدلة لعقد المحاكمة.
بعد شهر من القبض على حنبلي، وفقاً لبرقية من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أخبره محقق أميركي أنه لن يذهب إلى المحكمة أبداً لأنه «لا يمكننا إخبار العالم بما فعلناه بك».
رفض محامي حنبلي، جيمس هوديس، مناقشة ما جرى فعله بموكله، لكنه وصف نهج الادعاء بأنه سخيف. وقال هوديس: «التعذيب لا يمكن تطهيره أبدا. إن فكرة أن الاعتراف يمكن أن يطهر الأدلة المستمدة من التعذيب أمر مقيت من منظور ديمقراطيتنا وسيادة القانون».
قبل أن يدلي الماليزيان بشهاداتهما الشهر الماضي، ألغى القاضي تهم التآمر مع حنبلي في مؤامرات مميتة أخرى، ما يجعل الاستفادة من شهادتهما أمرا غير واضح.
في إقرارهما بالذنب، قال الماليزيان إنهما ليس لديهما علم شخصي بأي دور لحنبلي في تفجيرات بالي. وفي شهادته أمام المحلفين، قال بن أمين: «لم أكن أعرف شيئا عن تفجير بالي حتى وقوعه»، وهي الشهادة التي لم يطعن فيها المدعون.
قال كلا الرجلين إنهما علما من نشرات الأخبار أن حنبلي، واسمه الكامل إنسيب نورجمان، مطلوب كمشتبه به في المخطط الرئيسي. ووصفا دورهما في المؤامرة بأنه كانت مساعدته على الإفلات من الاعتقال، والمساعدة في تحويل الأموال التي أفادت جناة آخرين.
من جانبه، لم يحدد القاضي موعداً للمحاكمة، في وقت تواصل الحكومة إعداد أدلة سرية لمراجعتها من قبل المحكمة. وتأخر المدعون العموم عن الكثير من المواعيد النهائية لتبادل الأدلة مع المحكمة وفرق الدفاع، وفي نهاية العام الماضي، بدأ القاضي في إصدار أحكام مخففة ضد أي إدانة محتمة. ومن غير المعروف كيف سيُطبق هذا التخفيف على حنبلي حال حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وهي العقوبة القصوى في قضيته.
وفيما يخص الأسر التي أدلت بشهاداتها، أصبح التركيز الآن على محاكمة حنبلي، التي قال المدعون إنها لن تبدأ قبل العام المقبل.
من ناحيتها، تخطط ميللر لإحضار والدتها من إنجلترا للإدلاء بشهادتها. وتريد باناغولاس أن يسافر والداها إلى غوانتانامو، قادمين من أثينا. وقد تحدثت عن رؤيتها المعقدة حول استخدام الحكومة للتعذيب قائلة: «لقد شعرت بعض عائلات الضحايا بالراحة لمعرفة أنهما (المتهمين) تعرضا للتعذيب، مثلما عذبا عائلاتنا»، مشيرة إلى كيفية موت شقيقها ديميتري، حيث أحرق التفجير ما لا يقل عن 85 في المائة من جسده، وبعدها نُقل جوا على بعد ألف ميل من بالي إلى داروين بأستراليا لتلقي الرعاية، لكنه توفي بعد يومين من الهجوم».
اكتشاف المزيد من صحيفة دي إي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.