منذ إطلاق هاشتاغ “مي تو شباب” (“أنا أيضا”)، الخميس الماضي، والذي يندد بالعنف الجنسي ضد الرجال، تضاعف عدد شهادات الضحايا على مواقع التواصل الاجتماعي. وتواجه هذه الشهادات المتنوعة بعض الأحكام المسبقة كما هو الحال بالنسبة للنساء.
نشرت في:
7 دقائق
بعد ثماني سنوات من ولادة حركة “مي تو” (“أنا أيضا”) التي سمحت للنساء بالكشف عن العنف الجنسي الذي يستهدفهن، تم إطلاق هاشتاغ (أو وسم) “أنا أيضا شباب” #MeTooGarçons يخص الرجال هذه المرة، ما سمح بنشر شهادات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها منصة “إكس”.
وكسر الممثل الفرنسي أورليان وييك (43 عاما) الجليد الخميس الماضي عندما تحدث عن العنف الجنسي الذي تعرض له عندما كان قاصرا من قبل بعض أقاربه ومن وكيل أعماله. وكشف عن معاناته الجنسية عبر موقع إنستاغرام مطلقا بذلك حملة جديدة ضد التحرش الجنسي، لكن موجهة للأطفال والرجال، كما أنه رفع دعوة قضائية ضد المعتدين المفترضين.
ومنذ إطلاق هذا الوسم، تحررت الكلمة على منصة “إكس” وأصبح الكثير من الرجال والأولاد يتحدثون دون حرج عن العنف الجنسي الذي تعرضوا له في صغرهم.
أعداد قليلة ورؤية محجوبة
تشير دراسة أجراها المعهد الفرنسي للدراسات الديموغرافية في 2015 أن “الرجال أقل عرضة للعنف الجنسي مقارنة بالنساء” (3.9 بالمئة من الحالات لدى الرجال مقابل 14.5 بالمئة في صفوف النساء). وأضافت أن “تصريحات الرجال حول العنف الجنسي الذي استهدفهم تتعلق بالخصوص بمرحلتي الطفولة والمراهقة، أي قبل السن 18”.
اقرأ أيضاما هو مصدر العنف ضد المرأة؟
وفي 2021، أظهرت دراسة أخرى أجراها قسم الاحصائيات في الأمن الداخلي الفرنسي تعرض النساء إلى العنف الجنسي بشكل أكبر مقارنة بالرجال، وفي سن متقدم- امرأة من بين 6 أكدت أنها تعرضت إلى العنف الجنسي من قبل رفيقها أو زوجها على الأقل مرة واحدة في السن 15 مقابل رجل واحد فقط من بين 18 رجلا.
أما في ما يخص العنف الجنسي الممارس من قبل أجانب (خارج العائلة) فهو يشمل 17 بالمئة من النساء مقابل 3 بالمئة فقط من الرجال.
وفي هذا الشأن، تقول كريستال هامل، الباحثة في معهد الدراسات الديموغرافية في باريس:” هناك وعي أكبر عند النساء بما يتعلق بالعنف الجنسي. والدليل على ذلك هو ظهور العديد من الجمعيات والحركات النسائية التي تقاوم هذه الآفة مقارنة بالرجال الذين لديهم شعور بأنهم غير معنيين بهذه المشكلة”.
ولهذا السبب، يواجه الرجال الذين يعانون من العنف الجنسي مشاكل أكبر لإيجاد يد الدعم والمساعدة، فيما يشكون أيضا من غياب مراكز طبية وسيكولوجية في فرنسا تأخذ بعين الاعتبار معاناتهم. فعلى سبيل المقارنة، يوجد في بريطانيا عدد كبير من المراكز المفتوحة للجنسين، وهي تقدم الدعم النفسي المناسب للأولاد والرجال الذين تعرضوا إلى العنف الجنسي سواء من خلال استشارات نفسية مباشرة أو عبر مكالمات هاتفية.
وفي فرنسا، تحارب جمعية “عملاق بأقدام من طين” التي أسسها لاعب الرغبى سيبستيان بويله، الذي تعرض إلى العنف الجنسي من 12 إلى 16 عاما، التحرش في مجال الرياضة وتوعي ضد المخاطر التي قد يتسبب فيها.
اقرأ أيضاعقد دون تقدم.. تقرير للأمم المتحدة يؤكد أن الأحكام المسبقة بحق النساء “راسخة بعمق”
أما النساء، فأمامهن العديد من الجمعيات التي تساعدهن على مواجهة العنف والتحرش الجنسيين، مثل جمعية “لا للعنف ضد النساء” وجمعيات أخرى مفتوحة أيضا للرجال.
“وصمة عار” تلاحق الضحايا
إلى ذلك، تضاعف عدد الشهادات التي يدلي بها المتضررون من العنف الجنسي على منصة “إكس” (تويتر سابقا) كما ازداد أيضا عدد الرسائل المساندة لهم. فعلى سبيل المثال، كتبت الصحفية والكاتبة فكتوار توايون:” إنه صعب وجريء في نفس الوقت أن نعترف بأننا وقعنا ضحايا العنف الجنسي. لهذا السبب أنا أدعم وأحترم كل الذين يدلون بشهاداتهم في هذا المجال”.
وتابعت: “أفكر أيضا في الذين لا يستطيعون التعبير عن معاناتهم والذين ربما نسوا بأنهم تعرضوا في يوم من الأيام إلى العنف الجنسي وكل الذين فارقوا الحياة بسبب هذا العنف”.
من جهتها تفاعلت صوفيا، وهي مناضلة نسوية في جمعية “فيمن” على مواقع التواصل الاجتماعي وكتبت: “لا أحد يستطيع أن يوقف موجة “#مي تو” الخاص بالرجال. تحية وتقدير لكل الذين يكسرون نظام البطريركية من خلال تحرير الكلمة والحديث عن العنف الجنسي الذي يتعرضون له”.
اقرأ أيضااتهامات بالاغتصاب والاعتداء الجنسي تهز عالم السينما و تمتد إلى مجالات أخرى
لكن رغم جرأة بعض الرجال الذين وقعوا ضحية العنف الجنسي، إلا أن هذا لم يمنعهم من مواجهة انتقادات من قبل رجال آخرين يستهزؤون بنضالهم. فقد انتشرت التعليقات المسيئة لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها تتساءل “كيف لا يستطيع الرجال الدفاع عن أنفسهم في عمر 17؟ هذا يدل على أنهم لا يتحملون المثلية الجنسية. أو ربما يريدون فقط إبراز أنفسهم”. وغالبا ما ترافق هذه التعليقات كم هائل من الشتائم.
ضغوطات جنسية على الرجال
تشرح كريستال هامل، الباحثة في معهد الدراسات الديموغرافية في باريس، أن “جميع الضحايا مهما كان انتمائهم الجنسي يشعرون بوصمة عار وبالخجل”، مشيرة أن “هذا النوع من التعامل مع الضحايا هدفه منعهم من التعبير عن مشاعرهم ومعاناتهم”. وتضيف: “الدليل على ذلك أن بعض الضحايا الذين أدلوا بشهاداتهم بشكل علني واجهوا مشاكل عدة وتعرضوا إلى نفس المعاملة التي واجهتها النساء اللواتي تعرضن إلى العنف الجنسي”.
وتابعت: “إذا كان عدد ضحايا العنف الجنسي كبيرا، فهذا يعني بأن هناك في نفس الوقت عدد كبير من المعتدين. كل هؤلاء الرجال الذين ينشرون تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي هم أنفسهم معتدون أو ربما يعرفون المعتدين. فهم يعرفون من تصرف بشكل غير لائق ومن مارس ضغوطات على رجال آخرين أو أقاموا علاقات جنسية بدون موافقة”.
إلى ذلك، أشار تقرير أجرته وزارة الداخلية الفرنسية في 2021 حول العنف الجنسي الممارس خارج إطار العائلة أن “96 بالمئة من الذين تم التحقق معهم هم رجال”. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكل في تحديد معنى الاغتصاب في فرنسا. فوفق كريستال هامل، كل شخص يعرف الاغتصاب وفق اعتقاداته وتفكيره والمجتمع الذي يعيش فيه. فعلى سبيل المثال، ممارسة الجنس “الفموي” قسرا قد يدخل في خانة الاغتصاب، لكن نسبة كبيرة من الناس لا تعتقد ذلك بالرغم من أن هناك قانون منذ 2018 يعاقب مثل هذه الممارسات.
أعده للعربية: طاهر هاني