هل تصمد أوكرانيا في مواجهة «حرب الطاقة» هذا الشتاء؟
مع اقتراب فصل الشتاء في أوكرانيا، يلوح في الأفق مجدداً شبح استهداف الصواريخ الروسية المكثف لشبكات الطاقة الأوكرانية لشلّ البلاد، بعد حملة قصف روسية طالتها، العام الماضي، دمّرت أو عطلت فيها نحو نصف قدرة الطاقة الأوكرانية، واضطرّ الناس إلى تحمل ساعات دون كهرباء وماء، خلال الأشهر الأكثر برودة، فيما وصفه المسؤولون الأوكرانيون بـ«رعب الطاقة»، لذا تُجري السلطات الأوكرانية، ومعها السكان، الاستعدادات لمواجهة سيناريو حرب الطاقة المقبل.
ترقُّب موجة استهداف جديدة
تسببت هجمات ليلية روسية عدة في حدوث انقطاع بالتيار الكهربائي منذ منتصف سبتمبر (أيلول)، لكن حتى الآن، استهدف عدد قليل نسبياً من الصواريخ الروسية محطات توليد الطاقة وأنظمة التدفئة، مقارنة بشتاء 2022 – 2023. وتخشى كييف أن تنتظر موسكو درجات حرارة تحت الصفر، بينما تقوم بتجهيز المخزونات، لتضرب هذه المواقع الأوكرانية الحيوية على نطاق واسع، وفق تقرير، الخميس، لصحيفة «لوموند» الفرنسية.
في هذا الإطار، حذّر «مركز ويلسون للدراسات»، ومركزه واشنطن، من أن تقارير استخباراتية تشير إلى أن روسيا تستعد لموجة جديدة من رعب الطاقة في الشتاء، وتدرس أهدافاً جديدة محتملة للهجمات.
كما أفادت وزارة الدفاع البريطانية، في سبتمبر (أيلول)، بأن روسيا من المحتمل أن تكون قادرة على إنشاء «مخزون كبير» من صواريخ كروز التي تطلَق من الجو لاستخدامها ضد البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، هذا الشتاء.
وتستعد أوكرانيا لهذه الهجمات المتوقعة، من خلال إصلاح البنية التحتية وتقويتها. وطلبت كييف وأنتجت 100 محوِّل كهربائي، لتحلّ مكان تلك التي دمّرتها الهجمات الروسية. وكتبت صحيفة «ذي إكونوميست» البريطانية، أن معظم هذه المحوّلات يجري تخزينه في الخارج (لحمايته من القصف).
وقال فولوديمير كودريتسكي، رئيس شركة «أوكرينرغو» الأوكرانية للطاقة، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية: «إن استراتيجية الخصم (الروسي) في الشتاء الماضي لم تكن مجرد تدمير شبكة الكهرباء نفسها فحسب، بل خلق كارثة إنسانية مروّعة يمكنها أن تُحدث فرقاً في ساحة المعركة».
الاستعداد الشعبي
بعد الصدمة الناجمة عن حملة القصف الروسية الضخمة على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا خلال شتاء 2022 – 2023، يترقب السكان ويجهّزون أنفسهم بأسطوانات الغاز والمولدات، إذ يحشد السكان، وفق «لوموند»، جهودهم لإنقاذ اقتصادهم والاستعداد لمواجهة البرد. قامت المتاجر الكبرى في ضواحي كييف بملء رفوفها بأنواع مختلفة من المولّدات. وقد حدّد السكان الذين تعلّموا بالخبرة، مراكز التسوق والأماكن التي يمكنهم الذهاب إليها للاستفادة من الكهرباء والاتصال بالإنترنت، في حال انقطاع التيار الكهربائي.
ووفق التقرير، أصابت هذه الضربات الضخمة السكان الأوكرانيين بصدمة نفسية، حيث اضطروا للتكيف بين عشية وضحاها مع انقطاع التيار الكهربائي، بفعل الأعطال الناجمة عن القصف، أو بدواعي
تقنين السلطات للتغذية الكهربائية؛ من أجل تخفيف الضغط على الشبكة.
استعدادات الحكومة الأوكرانية
«تستعدّ أوكرانيا بنشاط لموسم التدفئة المقبل»، وفق موقع «مؤتمر العالم الأوكراني»، الدولي المهتم بالقضايا الأوكرانية. وتدرك كييف أن موسكو ستواصل ضرب البنية التحتية للطاقة، خصوصاً مع بداية فصل الشتاء. وقد أعلن وزير الطاقة الأوكراني هيرمان هالوشينكو ذلك، في شهر مايو (أيار). وعلى مدار العام، قام المتخصصون بإصلاح ما تعرَّض للهجوم، كما قاموا بتعزيز حماية منشآت الطاقة.
وبدأت السلطات الأوكرانية، هذا العام، مع نهاية الصيف، تهيئة السكان لاحتمال حلول شتاء جديد في ظل الضربات الروسية.
تأمين مخزون الطاقة
استعداداً لحرب الطاقة في الشتاء المقبل، سارعت أوكرانيا إلى تخزين الموارد منذ نهاية الشتاء الماضي، وفق صحيفة «كييف إندبندنت» الأوكرانية.
راكمت السلطات الأوكرانية في البلاد 14.7 مليار متر مكعب من الغاز (أرقام مطلع أكتوبر)، وهو ما يكفي لفصل الشتاء، وفقاً لوزارة الطاقة الأوكرانية، بينما تخطط الحكومة لتخزين 1.8 مليون طن من الفحم لمواجهة الشتاء.
هذا الجهد الأوكراني في تخزين الغاز نجح جزئياً بعد تمكّن كييف من معالجة تراجع إنتاجها في هذا المجال، وفق تقرير «مركز ويلسن». وأدى الحفر النشِط إلى أعلى إنتاج يومي للغاز في البلد منذ منتصف عام 2020.
ويرى الخبراء أن أوكرانيا ستعتمد بشكل كبير على محطات الطاقة النووية. وتشكل الطاقة النووية الحصة الكبرى من إنتاج الطاقة في البلاد، بنسبة تزيد على 58 في المائة، وفق «معهد الطاقة (Energy Institute)»، ومركزه لندن.
وجاء الفحم في المرتبة الثانية من حصة إنتاج الطاقة في أوكرانيا بنسبة 20 في المائة تقريباً، في حين شكلت الطاقة الكهرومائية ما يقرب من 10 في المائة، تليها الطاقة الشمسية بنسبة تزيد على 5 في المائة، والغاز الطبيعي بنسبة 4 في المائة، والنفط وطاقة الرياح والطاقة الحيوية بنسبة تزيد على 3 في المائة إجمالاً.
من المفترض أن تكون تسعة مفاعلات نووية، من أصل 15، جاهزة لإنتاج الطاقة، بحلول بداية موسم الشتاء، مع وجود سبعة مفاعلات جاهزة للعمل، وفق الحكومة الأوكرانية.
ومن ناحية طاقة الفحم، فإن 92 في المائة من محطات التوليد التي تعمل بالفحم في أوكرانيا، قد تواجه، وفق تقرير «كييف إندبندنت»، مشكلات فنية تتعلق بالشبكة، كما أن الهجمات الصاروخية الروسية على محطات توليد الطاقة بالفحم أدت إلى تفاقم المشكلة.
استيراد الطاقة
يرى الخبراء أنه حتى مع توفر الموارد الكافية من الطاقة، من المحتمل أن تضطر أوكرانيا إلى اللجوء لاستيراد الكهرباء للصمود في فصل الشتاء، كما أن هناك مخاوف، وفق «كييف إندبندنت»، من حدوث صعوبات دبلوماسية مع دول مثل المجر المجاورة، التي عارضت العقوبات الدولية ضد روسيا، وعرقلت التمويل لأوكرانيا خلال الحرب.
وتحتاج البلاد أيضاً إلى استيراد الوقود، حيث تعرض معظم مصافي النفط الأوكرانية لأضرار بالغة، أو دُمرت منذ بداية الغزو الروسي واسع النطاق.
وبالنسبة للغاز، قد لا تحتاج أوكرانيا لاستيراده إذا كان الشتاء دافئاً، وفق تقرير «مركز ويلسن»، إلا في حالة ظرف قاهر. وإذا كان الشتاء بارداً، فإن الحاجة إلى الغاز المستورد لن تكون كبيرة، ولن تتجاوز 3 مليارات متر مكعب. ولأن صادرات الغاز الطبيعي محظورة، فإن شركة «نفتوغاز» الأوكرانية للنفط والغاز مستعدة لشراء كل الغاز الطبيعي الذي تنتجه الشركات الخاصة.
ويكمن التحدي الذي يواجه مخزونات الموارد في احتمال ارتفاع الطلب على إنتاج الكهرباء، في حال نقص الفحم أو فقدان قدرات الطاقة نتيجة الغارات الجوية.
حماية البنية التحتية
أقامت أوكرانيا حواجز مادية حول شبكة نقل الكهرباء ذات الجهد العالي (High-Voltage) في أوكرانيا، والتي تديرها شركة الطاقة الوطنية «أوكرينرغو». وقال فولوديمير كودريتسكي، رئيس الشركة، لشبكة «سي إن إن» الأميركية، في تقرير نُشر الجمعة: «هدفنا هو جعل الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة الروسية غير فعالة، إلى درجة أن العدو سيتخلى عن فكرة ضرب الشبكة الكهربائية».
بُذلت جهود لحماية المباني الحيوية بأكياس الرمل والأقفاص المعدنية؛ لمنع الأضرار الناجمة عن سقوط الحطام. ويجري أيضاً إنشاء هياكل تهدف إلى الحماية من الذخائر حول بعض مُعدات الطاقة الرئيسية. لكن لا شيء من هذا يمكن أن يكون بديلاً عن مزيد من أنظمة الدفاع الجوي، وهي العبارة التي يتردد صداها في كل مستويات الحكومة الأوكرانية تقريباً وفي مختلف أنحاء صناعة الطاقة في البلاد، وفق «سي إن إن».
وقال كودريتسكي: «بالطبع، فإن العنصر الأساسي لحماية البنية التحتية للطاقة هو الدفاع الجوي».
فقد اتسمت الحرب في أوكرانيا باعتماد روسيا على الضربات الجوية في مواجهة فشلها بتحقيق نصر حاسم على الأرض. وكان استخدام الطائرات دون طيار والصواريخ ضد أهداف عسكرية ومدنية من الركائز الأساسية للاستراتيجية الروسية الرامية إلى استنزاف رغبة أوكرانيا في القتال، من خلال تعريض سكانها وبنيتها التحتية للخطر، وفق موقع «armscontrolcenter.org» الأميركي المختص بقضايا التسلّح. وقد نجحت مجموعة من إجراءات الدفاع الجوي الأوكرانية بشكل ملحوظ في وقف التهديدات الصاروخية القادمة، والحد من الأضرار الناجمة عن الهجوم الجوي الروسي.
وتلعب منصات الدفاع الجوي التي زوَّد بها الغرب أوكرانيا دوراً حاسماً في جهود الدفاع الجوي الأوكرانية المستمرة، ولا سيما منظومة دفاع باتريوت الأميركية الصنع.
الحاجة إلى شبكة كهرباء لا مركزية
يرى خبراء أن هناك حلاً طويل الأمد ممكناً لتجنب انقطاع التيار الكهربائي في أوكرانيا، رغم استمرار الحرب، وهو تحقيق اللامركزية في الشبكة الكهربائية، وإعادة التفكير في هيكل هذه الشبكة بأكمله.
فشبكة الكهرباء الأوكرانية الحالية المركزية جرى بناؤها في العهد السوفياتي، بشراكة وثيقة مع المهندسين الروس. وما زال هؤلاء يعرفون كيفية عمل نظام الطاقة في أوكرانيا، ما يعني أنهم يعرفون نقاط ضعفه.
ويجادل الخبراء بأن أوكرانيا تحتاج إلى مصادر طاقة احتياطية أصغر منتشرة في جميع أنحاء البلاد، بدلاً من الاحتفاظ بنظام مركزي ما بعد الاتحاد السوفياتي يسهل استهدافه.
هل تصمد بنية الطاقة الأوكرانية؟
متغيران مهمان سيؤثران على إمدادات الطاقة ومخزوناتها؛ الأول هو مدى برودة الشتاء الأوكراني المقبل، حيث إن ذلك سيحدد الطلب على موارد الطاقة وقدراتها، والثاني هو مدى فعالية الضربات الجوية الروسية، وفق تقرير «مركز ويلسون»، حيث سيؤثر هذا العامل على القدرات والإمكانات المتاحة لتغطية الطلب على الطاقة.
لكن حتى مع الضربات الجوية، وما يترتب على ذلك من أضرار في البنية التحتية، فقد اكتسبت شركات الطاقة الأوكرانية والعاملون فيها خبرة قيّمة جداً في كيفية العمل أثناء الهجمات، فضلاً عن كيفية تجديد إمدادات الطاقة بسرعة. واستعداداً لفصل الشتاء، تعمل شركات الطاقة الكبرى على تطوير سيناريوهات مختلفة، وهذا سيساعد على تقليل آثار الأضرار التي لحقت البنية التحتية.
وفي حال وقوع هجمات، من المحتمل أن تشهد البلاد انقطاع التيار الكهربائي مرة أخرى، لكن السيناريو المروّع مع انقطاع التيار الكهربائي الكامل مستبعد جداً. وبطبيعة الحال، قد تنشأ بعض المشكلات المحلية عندما تُلحق الصواريخ أو الطائرات المسيّرة أضراراً بالمرافق المحلية، وخصوصاً البنية التحتية لإمدادات التدفئة، وفق التقرير. وسيعتمد عمق هذه المشكلات وزمنها على درجة الحرارة. لكن بعد الشتاء الماضي، قامت الأُسر والصناعات والمرافق بشراء عدد من المولّدات الصغيرة، والتي ستساعد الأوكرانيين في اجتياز أية فترات صعبة خلال الشتاء المقبل.
وعلى الرغم من بعض التعثر المالي بقطاع الطاقة الأوكراني، والذي يُعزى إلى القيود التي تفرضها الأنظمة الداخلية، فمن المرجح، وفق «مركز ويلسون»، أن تتمكن أوكرانيا من اجتياز فصل الشتاء المقبل دون أن يتطور أي سيناريو مروّع.
شتاء 2022 – 2023
اعتُبر الشتاء الماضي (2022 – 2023) الأكثر تحدياً في تاريخ نظام الطاقة الأوكراني، حيث أطلق الروس أكثر من 1200 صاروخ وطائرة مسيّرة (أبرزها مسيّرات «شاهد» الانتحارية إيرانية الصنع) على محطات الطاقة، وفقاً لمُشغل الشبكة المملوك للدولة الأوكرانية، «أوكرينرغو»، وفق ما أفادت وكالة «أسوشيتد برس».
وأفادت شركة «أوكرينرغو» بأنه بعد هدوء دامَ ستة أشهر، تعرّض نظام الطاقة في أوكرانيا لأول هجوم له، هذا الموسم، في 21 سبتمبر (أيلول)، ما أدى إلى إلحاق أضرار بالمنشآت في المناطق الوسطى والغربية للبلاد.
وفي تقرير لـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» نُشر في أبريل (نيسان)، قدّر تكلفة الدمار في أوكرانيا خلال شتاء 2022 – 2023، ﺑ«10 مليارات دولار»، وهو ما ترك «12 مليون شخص» دون إمكانية الوصول إلى الطاقة أو محدودية الوصول إليها.