في ظل الحرب المستعرة منذ تشرين الأول/ أكتوبر بين إسرائيل وحماس، تجد آلاف النساء الحوامل في قطاع غزة أنفسهنّ في ظروف قاسية تهدد حياتهن وحياة أطفالهن. ففي ظل تدهور الوضع الأمني يصعب الوصول إلى المرافق الطبية التي أصبحت غير قادرة على توفير الرعاية اللازمة لهنّ، إضافة إلى النقص الشديد في المواد الغذائية والمياه والدواء في القطاع.
تقدر منظمة الصحة العالمية وجود نحو 52 ألف امرأة حامل في قطاع غزة معرّضات للخطر بسبب انهيار النظام الصحي وتدهور الأوضاع الإنسانية وسط الحرب المستعرة.
ووفق وثيقة لمنظمة الصحة العالمية حصلت وكالة الأنباء الفرنسية على نسخة منه فإن أمّين على الأقل تموتان كل ساعة. ووفق نفس المصدر فإنه تم الإبلاغ عن مئات حالات الإجهاض والولادات المبكرة منذ اندلاع الحرب في غزة، استنادا لمعطيات لوزارة الصحة في القطاع.
ولا تقتصر المخاوف على الولادة نفسها بل تتعداها إلى تحديات عدة مثل إبقاء الأطفال على قيد الحياة في ظل الحرمان من المواد الأساسية كالماء والغذاء. وقد وُلد أكثر من 20 ألف طفل أثناء الحرب في غزة.
كما أن الخطر لا يهدد النساء اللواتي اقترب موعد وضعهن بل جميع النساء الحوامل معرضات للخطر بسبب نقص الغذاء وسوء الأوضاع الصحية في وقت الحرب.
ووفق وثيقة منظمة الصحة العالمية فإن 700 ألف امرأة وفتاة يفتقرن حالياً الوصول إلى منتجات الفوط الصحية والمياه النظيفة والخصوصية. ومتوسط الوصول إلى المرافق الصحية دورة مياه لكل 700 نازح.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقرير الشهر الماضي إن انتشار المراحيض والحمامات غير الصحية يؤدي إلى التهابات المسالك البولية الخطرة على نطاق واسع.
اقرأ أيضا“الولادة في هذا الملجأ ستكون كارثية”.. وضع مأساوي ومحفوف بالمخاطر بالنسبة للنساء الحوامل في قطاع غزة
ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن 95 في المئة من النساء الحوامل أو المرضعات يواجهن نقصا غذائيا حادا.
أسماء أحمد تحدثت لوكالة الأنباء الفرنسية، فقبل ولادتها اضطرت إلى النزوح عن منزلها في شمال قطاع غزة بسبب القصف الإسرائيلي عند منتصف الليل في مدرسة إيواء بغزة حيث لا يتوافر التيار الكهربائي.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أنه ليس بإمكان النساء الحوامل في غزة الوصول إلى المؤسسات الصحية أو الاتصال بسيارات الإسعاف ليتم تحويلها إليهن، وبالتالي يضطررن إلى الولادة في ملاجئ الأونروا غير المجهزة
بالمرافق الطبية اللازمة لضمان ولادة آمنة.
وتروي أسماء أحمد (31 عاما) بعدما أصبح عمر طفلها أربعة أشهر، “كنت خائفة كثيرا من أن أفقد طفلي، قلت لنفسي بأنني سأموت”.
اقرأ أيضاما هي الظروف التي تعيش فيها النساء في غزة مع استمرار الحرب؟
وتقول الممرضة براء جابر التي ساعدتها بدورها “الوقت كان متأخرا جدا، كان الاحتلال يقصف أي شخص يتحرك… لم نستطع نقلها إلى المستشفى”.
وتثير الظروف الكارثية والموت المنتشر في كل مكان الخوف في نفوس النسوة الحوامل، وبينهن ملاك شبات (21 عاما).
لجأت شبات إلى مدينة رفح في جنوب قطاع غزة بعدما نزحت مرات عدّة من منطقة إلى أخرى هربا من الغارات الجوية الإسرائيلية.
وتقول شبات التي يقترب موعد وضعها وتعيش في خيمة “أنا خائفة جدا من الولادة في هذا المكان”.
“أسوأ من جهنم”
واندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر إثر هجوم شنته حماس على جنوب إسرائيل وأودى بأكثر من 1160 شخصا غالبيتهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة الأنباء الفرنسية استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
كذلك احتُجز 250 شخصا رهائن، لا يزال 130 منهم في الأسر، وفق إسرائيل التي تُرجح مقتل 31 منهم في القطاع.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس الثلاثاء ارتفاع عدد القتلى في قطاع غزة منذ بدء الحرب إلى 30631، معظمهم من النساء والأطفال.
وانهار النظام الصحي. وأشارت الأمم المتحدة الشهر الماضي إلى أن 12 مستشفى فقط من أصل 36 يعمل.
وتسببت القيود التي تقول الأمم المتحدة إن إسرائيل السبب فيها بتوقف معظم قوافل المساعدات.
ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 62 حزمة مساعدات من المواد الخاصة بحالات الولادة تنتظر السماح لها بالدخول عبرمعبر رفح.
وفي مستشفى الولادة الإماراتي في رفح التي لجأ اليها نحو 1,5 مليون شخص، لم يتبق سوى خمس غرف للولادة.
ووصلت سماح الحلو إلى رفح في الشهر الأخير من حملها وكافحت لتحصل على الرعاية التي تحتاجها.
وتقول: “قالوا سأحتاج إلى عملية جراحية بسيطة أثناء الولادة. تأخرت الجراحة أسبوعين إذ لم يكن هناك أطباء ولا أسرة ولا غرف عمليات”.
لاحقا، وضعت الحلو طفلها محمد لكنها لم تستطع البقاء في المستشفى، إذ سرحها الأطباء مع طفلها لوجود حالات ولادة طارئة ولا مكان للجميع.
وتقول: “عدت إلى الخيمة في منطقة المواصي في رفح. كان البرد شديدا وكانت لدي آلام شديدة أيضا، شعرت أني سأفقد ابني”.
وتضيف: “حياتنا هنا في الخيمة قاسية وأسوأ من جهنم”.
ويقول الطبيب الفرنسي رافاييل بيتي الذي كان يقوم بمهمة في جنوب قطاع غزة إن هذا الخروج السريع من المستشفى أمر روتيني.
ويضيف: “عندما تلد النساء، تأتي أسر النساء لاصطحابهن ليخرجن” من المستشفى، مشيرا إلى أن “المستشفى غير قادر على تحديد موعد للمتابعة… هذا مستحيل لأن هناك أشخاصا كثيرين يقصدونه”.
وتشير بعض النسوة لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أنه طُلب منهن إحضار فرش وأغطية في حال رغبن بالبقاء في المستشفى بعد الولادة.
واضطرت نساء أخريات إلى الولادة في المستشفيات أو الشوارع على الأرض.
“أسوأ من الكابوس”
منذ اندلاع الحرب، تعاني رؤى السنداوي الحامل بثلاثة توائم من الدوار بسبب تناولها طعاما معلّبا يؤثّر على امتصاص الحديد، وفقا لطبيبها.
وتقول السنداوي (20 عاما) “اضطررت إلى اللجوء إلى التكايا التي توزّع الطعام… يوفرون فاصوليا، وعدسا، ومعكرونة”.
وتضيف: “استطعت أكل هذا الطعام لمدة أسبوع لكن بعدها لم تعد معدتي تحتمل… تعبت”.
وتقول ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية دومينيك ألن: “هناك العديد من الأزمات في المنطقة التي تعتبر كارثية بالنسبة للنساء الحوامل”.
وتضيف أنه وبسبب الكثافة السكانية في غزة وغياب أماكن آمنة، الوضع “أسوأ من كل كوابيسنا”.
فرانس24/ أ ف ب