مشروع قرار أميركي لوقف «فوري» لإطلاق النار في غزة… والاتفاق على هدنة «ممكن جداً»
طرحت واشنطن للمرة الأولى على الدول الأعضاء في «مجلس الأمن الدولي»، مشروع قرار يدعو إلى «وقف فوري لإطلاق النار مرتبط بالإفراج عن الرهائن» في قطاع غزة، حيث تتواصل الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» حاصدة المزيد من الضحايا ومهدّدة السكان بالمجاعة، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
وكشف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن المشروع في تصريحات تلفزيونية ليل الأربعاء، على هامش زيارته السعودية، في محطة أولى من جولة شرق أوسطية يستكملها الخميس في مصر، وستقوده إلى إسرائيل الجمعة.
وهي المرة السادسة التي يزور فيها بلينكن المنطقة منذ اندلاع الحرب بين الدولة العبرية وحركة «حماس»، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
وزار بلينكن جدة، أمس (الأربعاء)، حيث التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، ووصل اليوم الخميس إلى مصر للقاء «اللجنة السداسية العربية» في المحطة الثانية من جولته السادسة في المنطقة منذ اندلاع الحرب. وسيزور إسرائيل يوم الجمعة.
ووفرت واشنطن من البداية دعماً سياسياً وعسكرياً واسعاً لحليفتها إسرائيل، واستخدمت حق النقض (الفيتو) في «مجلس الأمن» للحؤول دون صدور قرارات تدعو إلى وقف النار.
إلا أن واشنطن رفعت، في الآونة الأخيرة، منسوب انتقاداتها لإسرائيل بشأن التكلفة البشرية الباهظة لحرب غزة، وحضّتها على القيام بالمزيد لحماية المدنيين والسماح بمزيد من المساعدات الإنسانية، وتجنّب الاجتياح البري لرفح، في غياب خطة لحماية السكان.
وكثّف المجتمع الدولي جهوده للتوصل إلى هدنة في القطاع حيث تحيق المجاعة بمئات الآلاف من سكانه، وسط دمار شامل وتكدس جثث القتلى تحت الركام.
وقالت وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» صباح الخميس إن نحو 70 شخصاً قُتلوا جراء القصف والعمليات الإسرائيلية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
في غضون ذلك، تواصلت المعارك في مدينة غزة (شمالاً)، لا سيما محيط «مجمع الشفاء الطبي» الأكبر في القطاع، بعد 3 أيام على إعلان الجيش الإسرائيلي بدء عملية في المنطقة.
وقال الجيش الخميس إنه يواصل عملياته داخل وفي محيط هذا المجمع الذي تحاصره الدبابات والآليات المدرعة منذ فجر الاثنين، مؤكدا أن جنوده قتلوا «أكثر من 140» مقاتلاً فلسطينياً.
وقالت مريم (42 عاماً) وهي من بين آلاف نزحوا واحتموا في «مجمع الشفاء» إن «الجيش أطلق قذائف طوال الليل علينا في قسم الولادة وقسم الباطنة، وطلبوا منا نحو الواحدة فجراً عبر مكبر الصوت أن نخرج، وإلا فسيقصفون المبنى علينا. نحن هنا مئات النساء والأطفال والرضع وليس لدينا طعام ولا ماء».
وذكرت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن الجيش طلب من كل الرجال والشباب الخروج بعد خلع ملابسهم، وقيَّدهم وجمعهم في باحة المستشفى «ورؤوسهم إلى الأرض»، وأن الجنود أطلقوا النار نحوهم قبل اقتيادهم إلى خارج المستشفى.
وتابعت: «لو خرجنا ممكن أن يطلقوا النار علينا أو يعذبونا».
ولا يُعرف عدد الضحايا الذي خلَّفته العملية في «مجمع الشفاء» ومحيطه، لكن وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» تحدثت عن «عشرات» القتلى والجرحى الذين لا يمكن الوصول إليهم في أحياء الرمال والنصر ومخيم الشاطئ.
«رسالة قوية»
على الصعيد الدبلوماسي، قال بلينكن، مساء الأربعاء، في حديثه لقناة «الحدث» السعودية إن واشنطن طرحت مشروع قانون في «مجلس الأمن» يتطرق إلى وقف فوري للنار.
وقال: «قدمنا بالفعل مشروع قرار، وهو معروض الآن أمام (مجلس الأمن)، ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار مرتبط بالإفراج عن الرهائن، ونأمل بشدة أن يلقى دعماً من الدول».
وأعرب عن اعتقاده بأن هذا المشروع «سيبعث برسالة قوية؛ بمؤشر قوي».
منذ بداية الحرب، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) للحؤول دون صدور قرارات «مجلس الأمن» الداعية إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار. ولكن أمام الكارثة الإنسانية التي حلَّت بغزة، حيث تهدد المجاعة القسم الأكبر من السكان البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، وفق الأمم المتحدة، يبذل الأميركيون مساعي للتوصل إلى هدنة تسمح بدخول مزيد من المساعدات إلى القطاع.
وحرص بلينكن على القول: «بالطبع نقف إلى جانب إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها… لكن في الوقت عينه، من الضروري أن نركز على المدنيين الذين يتعرضون للأذى ويعانون بشكل مروع، ونعطيهم الأولوية».
وتتحدث صيغة مشروع القرار عن «الحاجة إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار لحماية المدنيين من كل الأطراف، وإتاحة إيصال المساعدة الإنسانية الأساسية، وتخفيف المعاناة الإنسانية، ووصولاً إلى ذلك، يدعم بشكل قاطع الجهود الدبلوماسية الدولية الجارية لتحقيق وقف إطلاق نار كهذا على صلة بالإفراج عن كل الرهائن المتبقين».
اتفاق الهدنة «ممكن جدا»
وفي موازاة جولة بلينكن، تجري في الدوحة محادثات تتوسَّط فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر للتوصل إلى هدنة.
وقال بلينكن: «أعتقد أن الفجوة تضيق، وأن التوصل إلى اتفاق ممكن جداً».
وتستند الجولة الأحدث من المفاوضات إلى طرح تقدمت به «حماس» يقوم في مرحلة أولى على هدنة لستة أسابيع لقاء تبادل الإفراج عن رهائن إسرائيليين محتجزين لديها، ومعتقلين فلسطينيين.
وكان القيادي في الحركة أسامة حمدان قال الأربعاء إن رد إسرائيل على هذا المقترح كان «سلبياً بشكل عام»، ويمكن أن «يقود المفاوضات نحو طريق مسدودة».
اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، عقب هجوم شنّته «حماس» على جنوب إسرائيل، وتقدّر إسرائيل أنّ نحو 130 رهينة ما زالوا محتجَزين في غزة، من بينهم 33 يُعتقد أنهم لقوا حتفهم، من بين نحو 250 شخصاً اختُطِفوا في هجوم «حماس».
وتوعدت إسرائيل بالقضاء على الحركة، ونفّذت حملة من القصف المركّز أتبعتها بهجوم برّي واسع؛ ما أسفر عن 31988 قتيلاً و74188 جريحاً، غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» التي تسيطر على القطاع منذ 2007.
وتضغط الولايات المتحدة على إسرائيل في الأسابيع الماضية للامتناع عن شن هجوم بري واسع النطاق على مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع، التي باتت الملاذ الأخير لأكثر من 1.5 مليون فلسطيني، بحسب الأمم المتحدة.
لكن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لا يكف عن ترديد عزمه على المضي قدماً في خطته لشن هجوم بري على رفح يراه ضرورياً «للقضاء» على «حماس»، وإن وافق على إرسال وفد إلى واشنطن لبحث تفاصيل الخطة بناء على طلب الرئيس جو بايدن.
سعياً لزيادة المساعدات والتخفيف قليلاً من معاناة السكان، تنفذ عدة دول عمليات إنزال جوي يومية لرزم من الأغذية، كما تم تدشين ممر بحري من قبرص إلى غزة لهذا الغرض.
لكن وكالات الإغاثة تؤكد أن طرق الإمداد هذه لا يمكن أن تحل محل الطرق البرية.
وشددت إسرائيل بعيد اندلاع الحرب من حصارها على قطاع غزة. ويتحكم الجيش والإدارة الإسرائيلية بكل ما يدخل إليه ويخرج منه من أشخاص ومساعدات وبضائع.
وتؤكد الأمم المتحدة أن القيود الأمنية المشددة التي تفرضها إسرائيل تعيق دخول المساعدات الإنسانية عن طريق البر، عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.
وحذر مفوض «وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)»، فيليب لازاريني، هذا الأسبوع، من أن «الحصار والجوع والأمراض ستصير قريباً الأسباب الرئيسية للوفيات في غزة».