عندما أصبح كيليان مبابي أكبر من الدوري الفرنسي نفسه
قال رئيس باريس سان جيرمان، ناصر الخليفي، رداً على الغموض المستمر الذي يحيط بمستقبل النجم الفرنسي كيليان مبابي مع الفريق: «لا أحد أكبر من النادي». لكن الحقيقة أن هذا التصريح بدا دائماً غير متوافق مع الواقع، ووسط محاولات الدوري الفرنسي للحصول على مبلغ مالي كبير مقابل حقوق بث مبارياته، اتضح أن أهمية قائد فرنسا الآن تتجاوز النادي ككل! لا يوجد أدنى شك في أن هناك تغييرا في مشروع باريس سان جيرمان، وهو الأمر الذي تجسد الصيف الماضي في رحيل كل من ليونيل ميسي ونيمار. لقد انتهى عصر النجوم والأسماء الكبيرة، حيث يشرف لويس كامبوس على عملية إصلاح شاملة للفريق، تركز بشكل ملحوظ على الشباب.
ومن خلال التعاقد مع لاعبين مثل غونزالو راموس، وراندال كولو مواني، وعثمان ديمبيلي، وبرادلي باركولا، كان يُعتقد أن باريس سان جيرمان سيكون لديه خط هجوم أكثر تنوعا، لكن ثبت أن العكس هو الصحيح. فعلى الرغم من إنفاق 170 مليون يورو على التعاقد مع كولو مواني وراموس، لم يحصل أي منهما حتى الآن على ثقة المدير الفني للفريق، لويس إنريكي، واستمر مبابي في اللعب مهاجما صريحا خلال الأسابيع الأخيرة، لدرجة أنه لعب 90 دقيقة كاملة في المباراة التي سحق فيها باريس سان جيرمان فريق «يو إس ريفيل»، الذي يلعب في دوري الدرجة السادسة، بتسعة أهداف نظيفة في كأس فرنسا في السابع من يناير (كانون الثاني).
وقال لويس إنريكي بعد المباراة: «كيليان كان يريد أن يلعب، وعندما يريد أن يلعب فالأمر محسوم». في الواقع، يتعارض هذا التصريح بشكل غير مريح مع إصرار الخليفي على أنه لا يوجد لاعب أكبر من باريس سان جيرمان! وعلى أرض الملعب، دائما ما كان مبابي لاعبا لا يمكن الاستغناء عنه. وخلال الموسم الحالي، سجل 19 هدفاً في 17 مباراة بالدوري الفرنسي، أي ما يعادل 43 في المائة من إجمالي عدد الأهداف التي سجلها باريس سان جيرمان في الدوري، وذلك على الرغم من إنفاق 265 مليون يورو على التعاقد مع مهاجمين جدد خلال الصيف.
وعلى الرغم من التألق اللافت لباركولا أمام لينس ضمن منافسات المرحلة الثامنة عشرة، فإن مبابي كان محط أنظار الجميع أيضا. لقد لعب مبابي، الذي يشارك في مركز «حر» في قلب خط الهجوم، دورا محوريا في كل شيء داخل المستطيل الأخضر، حيث لمس الكرة 78 مرة، وصنع الهدف الأول لباركولا بتمريرة بينية رائعة، ثم قتل المباراة تماما في الدقائق الأخيرة عندما أحرز هدفا بطريقة ماكرة من الزاوية الضيقة.
وخلال الموسم الماضي، التقى لينس وباريس سان جيرمان في يوم رأس السنة الجديدة، ومرة أخرى خلال هذا الموسم التقى الفريقان في الأسبوع الأول من عام 2024. فاز لينس بتلك المباراة في عام 2023، في نتيجة عكست وقتها قوة المنافسة على اللقب التي استمرت حتى الأسبوع قبل الأخير من الموسم. وفي النهاية، حصل باريس سان جيرمان على اللقب بفارق نقطة واحدة فقط عن لينس. لكن لينس ليس قريبا على الإطلاق من باريس سان جيرمان هذا الموسم، بل وقد يفشل لينس في احتلال أحد المراكز المؤهلة للبطولات الأوروبية تماما. ومع ذلك، فإن فوز باريس سان جيرمان على لينس في المرحلة الأخيرة بدا مشؤوماً، خاصة في ظل خسارة كل من نيس وموناكو.
إن هيمنة باريس سان جيرمان على الساحة المحلية بهذا الشكل خلال الموسم الحالي تعود في الأساس إلى التفوق الفردي الهائل لمبابي في الدوري الفرنسي الممتاز. ويجب الإشارة هنا إلى أن أقرب منافسيه على لقب هداف المسابقة هو لاعب موناكو وسام بن يدر، الذي سجل تسعة أهداف فقط! يفوز مبابي، الذي يحمل شارة قيادة منتخب فرنسا، بجائزة هداف الدوري الفرنسي الممتاز في كل موسم منذ 2018-2019، باستثناء موسم 2019-2020 عندما تقاسم الجائزة مع بن يدر. من المؤكد أن الدوري الفرنسي الممتاز، الذي يُلقب بـ«دوري المواهب»، سيكون أكثر ثراء وقوة في حال استمرار مبابي، وهذا هو السبب الذي يجعل شخصيات سياسية، ولا سيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تضغط من أجل استمرار مبابي في الدوري الفرنسي.
ومع ذلك، فإن مبابي، ومنذ وصوله إلى مرحلة النضج، يمثل ما يمكن وصفه «رمزا للغش»، حيث يتلاعب بباريس سان جيرمان من أجل الرحيل مجانا عن النادي، الذي لم يفعل كل شيء بشكل صحيح خلال المواسم القليلة الماضية، رغم فوزه بخمسة ألقاب من آخر ستة ألقاب للدوري الفرنسي الممتاز، وهو في طريقه للفوز باللقب السادس.
لقد أصبح مبابي، من خلال تألقه الفردي فقط، ضاراً بالقدرة التنافسية للدوري. وبفضله، أصبح باريس سان جيرمان – على المستوى المحلي على الأقل – فريقا لا يمكن إيقافه أو التغلب عليه. من المؤكد أن هذا الأمر يضر بالمنافسين، لكن الحقيقة أنه يضر بباريس سان جيرمان نفسه أيضا، وهناك وجهة نظر مفادها أن كرة القدم الفرنسية يمكن أن تكون أفضل بعد رحيل مبابي، خاصة أن ذلك من شأنه أن يقلل من هيمنة باريس سان جيرمان على البطولات المحلية. ويشير أداء باريس سان جيرمان هذا الموسم إلى أن الأمر سيكون كذلك بالفعل في حال رحيل مبابي.
ستحصل رابطة الدوري الفرنسي الممتاز على 800 مليون يورو لكل موسم خلال الفترة المقبلة، التي تمتد من 2024 وحتى 2029، ومع ذلك لم يتم تقديم أي عطاءات جديدة. لذلك تتفاوض الرابطة الآن مع جهات البث بشكل فردي، وتشير تقارير إلى أن خدمة «دازن» للبث هي الأوفر حظا للحصول على الصفقة الجديدة. وتتزامن هذه المفاوضات مع حالة الشك المحيطة بمستقبل مبابي في باريس سان جيرمان. لقد أصبح اللاعب الفرنسي مرة أخرى موضع اهتمام كبير من ريال مدريد، لكن المقربين من مبابي نفوا علنا وجود اتفاق مسبق مع النادي الإسباني.
ووسط حالة من الشك وعدم اليقين بشأن صفقة البث المستقبلية والغموض بشأن مستقبل مبابي، فإن الدوري الفرنسي الممتاز يواجه أزمة كبيرة. ومن المرجح أن يؤثر مستقبل مبابي بشكل كبير على أي صفقة قادمة تتعلق بالبث التلفزيوني لمباريات الدوري الفرنسي الممتاز. في النهاية، لم يصبح مبابي أكبر من باريس سان جيرمان فحسب، بل أكبر من الدوري الفرنسي الممتاز نفسه. وقال الخليفي لصحيفة «ليكيب»: «إنه أفضل لاعب في العالم».
كما قال الخليفي لشبكة «أر أم سي سبور»: «بالطبع، أريد أن يبقى كيليان، بالنسبة لي فإنه أفضل لاعب في العالم، ومن وجهة نظري يعد باريس سان جيرمان أفضل ناد لكيليان». وأكد: «كيليان هو أساس الفريق. النادي يمتلك أفضل مقر تدريبي في العالم، أفضل مدرب، يشارك في دوري الأبطال كل عام». وأضاف: «لدي علاقة طيبة معه. كيليان رجل عظيم، لاعب عظيم، ولديه شخصية رائعة». لكن أهمية مبابي تتجاوز أهمية أي لاعب كرة قدم عادي، ومن المؤكد أن القرار الذي سيتخذه اللاعب بشأن مستقبله سيشكل مشهد كرة القدم الفرنسية لسنوات مقبلة، للأفضل أو للأسوأ!
* خدمة «الغارديان»